يكمن سحر اللون الأزرق وجماله في صفائه الهاديء الجذاب، حيث يمتلكه أهم رموز الطبيعة الخلاقة وهما السماء والبحر، فيحمل السلام والنقاء بين طياته، باختلاف درجاته الزاهية الفاتنة، لكن هل سألت نفسك يومًا عن السر وراء ذلك اللون الساحر والخلاق؟.. إليك حكايته.
السر وراء اللون الأزرق
قبل آلاف السنين، احتل اللون الأزرق مكانة خاصة لدى الفراعنة، فنظرًا لأهمية الفنون آنذاك، ولرغبتهم دومًا في التفرد والإبداع، بحثوا كثيرًا عن صبغة ملونة دائمة لتزين بها الفنون الزخرفية، ففي حوالي عام 2200 قبل الميلاد، اخترع المصريون اللون الأزرق، الذي اعتبر أول صبغة صناعية ملونة في التاريخ.
حيث قاموا بطحن الحجر الجيري ممزوجًا بالرمل ومعادن أخرى تحتوي على النحاس مثل الأزوريت والمالاكيت، ثم انتقلوا إلى مرحلة التسخين التي تمت عند درجة حرارة تترواح بين 1470-1650 درجة فهرنهايت، حتى تم إنتاج زجاج أرزق قاتم، يتم طحنه من أجل أن يتسم بالقوة والسماكة، عن طريق خلطه ببياض البيض وأحيانًا أشياء أخرى لتصنيع طلاء طويل الأجل.
قدس الفراعنة الأزرق
تعلقت مصر القديمة باللون الأزرق، واعتبرته رمزًا لها وجزءًا متأصل منها، حتى أصبح يعبر عن الحضارة المصرية، حيث زُينت به مقابرالفراعنة، واستخدم في طلاء الخزف والتماثيل.
وصولًا إلى أرجاء الإمبراطورية الرومانية، حتى نهاية العهد الإغريقي الروماني، حيث بدأ استخدام سبل أخرى جديدة لإنتاج اللون الأزرق الساحر، ولعبقرية الفراعنة في الابتكار والإبداع، اكتشف علماء الآثار عام 2006، إن اللون الأزرق الذي لا يظهر بصورة صريحة، يتوهج عند تسليط أضواء الفلورسنت عليه، الأمر الذي يدل على أن تلك الصبغة المدهشة تنبعث منها أشعة تحت حمراء، مما جعل المؤرخين تتيقن أن الأزرق هو لون القطع الأثرية القديمة.
رحلة الألتراماين نحو الشهرة
بعد وقت طويل بدأ اللون الأزرق يشتهر باسم “اللازورد” وهو يعني “الأزرق الحقيقي“، حيث استخدم كصبغة لأول مرة في القرن السادس، في اللوحات البوذية في باميان بأفغانستان، كما أُعيدت تسميته ليصبح “ألتراماين” والذي يعني “ما وراء البحر“، ثم بدأت رحلة الأزرق نحو الشهرة، حيث بدأ يُصدر إلى أوروبا عن طريق التجار الإيطاليين خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
ولعراقة اللون وسحره الجذاب، أصبح مطلب فناني أوروبا في العصور الوسطى، أما السبب الذي يرجع وراء استخدامه من قبل الأثرياء فقط، هو قيمته الثمينة باعتباره من الألوان النادرة آنذاك، التي تمثل الملكية والرقي، الأمر الذي دفع “يوهانس فيرمير” صاحب لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي“، إلى غرق عائلته في الديون، من أجل شراء اللون الأزرق الذي زين به جزء من وشاح رأس الفتاة في لوحته الشهيرة.
حتى اخترع كيميائي فرنسي بعد زيادة ثمن اللون الأزرق، ألتراماين صناعي عام 1826، ليسمى في النهاية ” الألتراماين الفرنسي” نسبة له، وصل الأزرق إلى الصين، حيث استخدمته في أطباق البورسلين بنقوش مميزة وتلوين الزخف والمجهورات به، ثم تم اكتشاف نسخة منه تعتمد على الألومنيا الأنقى، بواسطة الكيميائي الفرنسي “لوي جامعة تينار” عام 1802.
لتبدأ فرنسا في إنتاجه، حيث استخدمه رسامون عدة بدلًا من ذلك الباهظ، ومن بينهم: فان جوخ وأوجست رينوار وغيرهم من الفنانين، وتوالت الاختراعات وإنتاج الأزرق، حتى ظهرت صبغة “الأزرق النيلي” من نبات يسمى “النيلة الزرقاء“، حيث أنتج في العالم أجمع، وساهم في ازدهار تجارة المنسوجات الأوروبية في القرن السادس عشر، حيث استخدم لصبغ المنسوجات لتشبه في النهاية لوحة فنية.
اشتهر الأزرق النيلي بشكل كبير في انجلترا، حيث استخدم في صبغ المنسوجات والملابس، حتى استبدل بآخر صناعي عام 1880، الذي يستخدم حاليًا في صناعة الجينز الأزرق.
استخدم بابلو بيكاسو بصبغة الأزرق البروسي –أحد إنتاجات اللون الأزرق–، بالإضافة إلى فنان الطباعة الخشبية اليابانية “كاتسوشيكا هوكوساي” في لوحاتهم الفريدة، حتى عام 1842 اكتشف عالم الفلك السير “جون هيرشل“، أن الأزرق البروسي حساس للضوء، فاعتبر لون عبقري من أجل صناعة نسخ من الرسومات.
حتى اعتبر اكتشافه كنز للمندسين المعماريين، حيث استطاعوا إنتاج نسخ من مخطوطاتهم والتصميمات المختلفة، التي تسمى حاليًا ب “الطبعة الزرقاء“، توالت السنوات وازدهرت صناعات اللون الأزرق، حتى وصل إلى القرن ال 21، بتدرجات ساحرة مبهرة، تضفي على قلبك الهدوء والسلام، فأصبح يسخدم حول العالم فشتى مجالات الحياة، ولازال يحتفظ برونقه الملكي وجاذبيته ونقائه.
“الأزرق ليس له أبعاد، فالأزرق يتجاوز كل الأبعاد” الفنان الفرنسي إيف كلاين.
اقرأ أيضًا: “كائن فضائي وإله روماني”.. كيف فسر الشعوب “الشفق القطبي”؟