حكايات في حياة “رياض السنباطي”.. فيلسوف الموسيقى العربية
يعد أحد رواد الموسيقى العربية، اشتهر بتفرده في تلحين القصيدة العربية، وهو الموسيقي العربي الوحيد الذي نال جائزة اليونسكو العالمية عام 1977، إنه فيلسوف الموسيقى العربية رياض السنباطي، الذي تستعرض منصة كلمتنا أهم المحطات في حياته وكيف كانت علاقته وطيدة بأم كلثوم كوكب الشرق.
شغف منذ الطفولة
ولد رياض السنباطي عام 1906 بمحافظة دمياط، كان لديه شغفه الخاص نحو الموسيقى والغناء منذ نعومة أظافره، ولم يكن يهتم بالدراسة فقد كان يهرب من المدرسة ليعزف على العود ويغني حتى قرر والده أن يأخذه معه ضمن فرقته في الأفراح والموالد ليشجعه وينمي موهبته من خلال تعليمه قواعد الموسيقى وإيقاعاتها.
ومع الوقت استطاع أن يثبت براعته فكان يؤدي وصلات غنائية كاملة، حتى أصبح نجم الفرقة ومطربها الأول ولُقب بـ “بلبل المنصورة”، وفي عام 1928 قرر والده الانتقال إلى القاهرة بصحبته حتى يساعده على إثبات نفسه في الحياة الفنية.
وبعد انتقاله إلى القاهرة تقدم رياض السنباطي بطلب لمعهد الموسيقى العربية من أجل أن يدرس به، وبالفعل اختبره لجنة من جهابذة الموسيقى العربية وقتها، ولكن كانت علامات الذهول هي سيدة الموقف، فقد كانت قدرات السنباطي أكبر من أن يكون طالبًا، لذلك تم إصدار قرار بتعيينه في المعهد أستاذًا لآلة العود والأداء، فبعد أن كان ذهابًا ليكون طالبًا أصبح أستاذًا بفضل موهبته.
ومع مرور الوقت بدأت شهرة رياض السنباطي تتوسع وأصبح اسمه معروفًا في العديد من ندوات وحفلات معهد الموسيقى العربية، ولكن بعد مرور ثلاثة سنوات استقال من المعهد متخذًا القرار بدخوله عالم التلحين من خلال شركة أوديون التي قدمته كملحن لكبار مطربي ومطربات الشركة.
رياض السنباطي وأم كلثوم
تعاون السنباطي مع العديد من مطربي الوطن العربي، ولكن جمعته علاقة وطيدة بأم كلثوم كوكب الشرق، فكان بينهما رحلة طويلة مبهرة تعد أعظم شراكة موسيقية عربية حدثت على الإطلاق.
أما عن أول مقابلة له مع أم كلثوم فكانت عندما كان يبلغ الثالثة عشر من عمره بإحدى محطات القطار، وذلك عندما كان يغني مع والده قابل وقتها أم كلثوم في المحطة بعد إنتهاء الفرح وسلم عليها.
وبعد مرور السنوات بدأ السنباطي يغني في الإذاعة بالمحطات الأهلية، وبعد افتتاح محطة الإذاعة تم اختياره ليغني بالعود كل أسبوع ليلة، وقتها سمعته أم كلثوم لتتحدث معه من أجل أن يلحن لها لحنين كانوا بداية العمل مع أم كلثوم.
وفي أحد المقابلات لرياض السنباطي قال إنه سبق ولحن لأصوات قديرة ولكن لم تنال إعجاب الجمهور، ولكن أم كلثوم كانت طاقتها لا حدود لها أي لحن تغنيه ينجح نجاحًا باهرًا، خاصًة أنعا تؤديه بصوتها الرائع، ذلك الأمر الذي جعله يشعر أنهما يكملان بعض بفضل صوتها وألحانه، لذلك كانت العلاقة بينهما وطيدة.
وبالفعل قدم رياض السنباطي مع أم كلثوم العديد من الأعمال التي خلدت في تاريخ الموسيقى والغناء العربي، كما أن النقاد أكدوا أن أغنيتهما “الأطلال” هي أفضل أغنية عربية في القرن العشرين على الإطلاق.
وتتخطى أعمال السنباطي الفنية حاجز الألف لحن، كان رصيد أم كلثوم منها 282 أغنية وقصيدة، تضم أبرز أغانيها الشهيرة والتي تتضمن “أراك عصى الدمع، وحيرت قلبي معاك، ولسه فاكر، وليلى ونهاري، والأطلال، وأقولك ايه عن الشوق، وطوف وشوف، وافرح ياقلبي، وجددت حبك ليه، وغيرها”.
كما كان لأم كلثوم النصيب الأكبر في غناء الأغنيات الدينية للسنباطي والتي تضمن “عرفت الهوى، وعلى عيني بكت عيني، وتائب تجري دموعي ندمًا، وصحبة الراح، وحديث الروح”.
اقرأ أيضًا: متحف “أم كلثوم” .. صرح فني ثقافي يأخذك برحلة عبر الزمن
التمثيل في حياة السنباطي
لم تقتصر علاقة السنباطي بالفن على التلحين والموسيقى فقط، بل إنه دخل أيضًا مجال التمثيل وقدم فيلم “حبيب قلبي” عام 1952، وبالرغم من نجاح الفيلم إلا أنه لم يستمر في التمثيل أو يكرر التجربة مرة أخرى، فقد رأى أنه لا يجب أن يدمج بين عملين لذلك تفرغ للتلحين الذي يعد عالمه.
أعمال فنية وجوائز
بلغ عدد مؤلفات رياض السنباطي الغنائية 539 عملًا، بينما بلغ عدد مؤلفاته الموسيقية 38 قطعة، وبلغ عدد شعراء الأغنية الذين لحن لهم 120 شاعرًا.
وغنى من تلحينه العديد من مطربي الوطن العربي أبرزهم: “أم كلثوم، أسمهان، صالح عبد الحي، هدى سلطان، منيرة المهدية، وردة، فايزة أحمد، عبد الغني السيد، فتحية أحمد، ميادة الحناوي، محمد عبد المطلب، سعاد محمد، نجاة، طلال مداح، سميرة سعيد، عزيزة جلال، وابتسام لطفي.
وحصد رياض السنباطي العديد من التقديرات والجوائز، أبرزها:
- وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1964.
- وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
- جائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977.
- جائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس عام 1964.
- جائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى.
- الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1977 لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى.
- الموسيقي العربى الوحيد الذي نال جائزة اليونسكو العالمية عام 1977، باعتباره الموسيقي المصرى الوحيد الذى لم يتأثر بأي موسيقى أجنبية وأنه استطاع بموسيقاه التأثير على منطقة لها تاريخها الحضاري.
وفي العاشر من سبتمبر عام 1981 توفي رياض السنباطى، تاركًا خلفه أرثًا كبيرًا من الألحان المبهرة التي جعلت اسمه خالدًا حتى اليوم.