من حين لآخر وفي عصر التكنولوجيا بالتحديد تتمنى لو أن بإمكانك العودة للوراء قليلًا لبضعة قرون، حيث الحياة البسيطة غير المبتذلة، تتناول إفطارك على صوت أم كلثوم في شرفة المنزل، وتتنزه نهارًا بين الشوارع الخالية من المارة والعربات، حتى يحين الليل وقد خيم الهدوء على العالم، فتمسك بقلمك وتبدأ أناملك تكتب مرسال غرام لأحدهم وصوت عبدالحليم يتراقص بشجن في الخلفية.
من تلك اللحظات الفريدة ومن نوستالجيا الحب والفراق قررت الفنانة الشابة “منة مدحت” أن تأخذ بيدينا حيث اللحظات الحقيقية بعيدًا عن العالم الافتراضي، وتكتب مراسيل ساحرة تصطحبك أحيانًا نحو مشاعر مؤثرة وأخرى نحو أغنيات تسللت إلى قلوبنا بخفة ارتبطت داخلنا بذكريات وأناس مهما فارقونا ما زالت ذكراهم في قلوبنا.
في لحظات حنين إلى الماضي تصطحبك منصة “كلمتنا” إلى حوار يغلف الزمن الجميل سطوره مع “منة مدحت” صاحبة ال 24 عام في حكاية جمعت بين المراسيل والرسم.
أنتِ رسامة مبدعة.. هل التحقتِ بكلية الفنون الجميلة؟
كنت أحلم دومًا أن التحق بكلية الفنون الجميلة، فمنذ طفولتي أعشق الرسم، لكني للأسف لم أستطع فعل ذلك وأصابني هذا الأمر بيأس شديد، فقد التحقت بكلية التجارة الخارجية أي بعيدًا تمامًا عن شغفي وأحلامي، حتى قادني هذا الأمر إلى انقطاع تام عن الرسم لمدة عامين لأنني شعرت أنني لن أصل لشيء على الإطلاق.
اقرأ أيضًا: “نور طلعت” تركت مهنتها التي دامت 7 سنوات لتبدع في الأعمال اليدوية
كيف تجدد شغف الفن داخلكِ؟
في لحظات معينة كنت أشعر أن الطريقة الوحيدة التي تجعلني أعبر عما بداخلي كانت الرسم، من هنا بدأت أعود إلى “الاسكتشات” ولكن بشكل بسيط لكن اليأس كان لا يزال في قلبي، وصولًا إلى جائحة كورونا، فكانت هي النقطة الفاصلة في حياتي وهي من جذبتني مجددًا نحو شغفي.
كيف أثرت جائحة كورونا عليكِ إيجابيًا؟
مثل ملايين الأشخاص حول العالم، لجأت في أيام الحظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي والطبخ وهكذا، حتى شعرت في لحظة ما أنني أود أن أعود إلى رسوماتي وموهبتي، فقمت بإحضار أوراق قديمة وأظرف وطوابع كان يحتفظ بها أبي لطالما عشق تجميع الطوابع، ولأنني كنت متيمة بكل ما هو قديم من الأفلام والموسيقى وصولًا إلى المراسيل فقررت أن استرجع شغفي مجددًا ولكن بطريقة مبتكرة.
لأنكِ قررتِ بدء مشوارك في اتجاه آخر بعيدًا عن الرسم التقليدي.. فبماذا ألهمك الماضي؟
حينها قررت أن ابتعد تمامًا عن مواقع التواصل الاجتماعي وجلست طويلًا أمام الأوراق والأقلام، بدأت اكتب اقتباسات وأغانٍ بالخط الديواني والعربي ومن ثم ارسم واصور أعمالي، فالمراسيل التي تكتب بخط الأيد، تشعرين وكأنكِ تفيضين بمشاعرك الحقيقة بعيدًا التكنولوجيا، فالمراسيل يُقال فيها ما لا نقوى أن نحكيه بألسنتنا، فهي تعبر عما تحمله قلوبنا حقًا.
ومن هنا قررت أن أبدأ رحلتي بصفحة على فيسبوك اعرض فيها موهبتي وأعمالي، حتى فوجئت بأنني كلما قمت بعمل جديد تزداد الإعجابات والمتابعين، حتى بدأت صفحات أخرى تحمل بين طياتها ملايين المتابعين تعرض رسوماتي فشعرت حينها بسعادة لا مثيل لها، وكان الأمر حافز كبير لي حتى اواصل ما بدأته، حتى أيقنت أن هذا ما كنت أبحث عنه وانتظرته طويلًا.
اقرأ أيضًا: مائدة طعام بحجم الجنيه ولوحات ريفية.. “هبة عتمان” تحول الصلصال إلى لوحات فنية
كيف طورتِ موهبتك في الخط العربي؟
في الحقيقة لم ألجأ لأي دورات أو ورش، وإنما قمت بمتابعة عدد كبير من الخطاطين لتعلم طريقة كتابتهم، حتى اكتشفت أن الرسم والخط العربي يتطوران بالممارسة حقًا وليس بالكورسات فقط، حتى قررت دمج الاثنين سويًا وهما الخط العربي والرسم من أجل أن أقدم عملًا مميزًا وفريد.
فحاولت أن ابتكر فكرة تجمع بين الأغاني أو الاقتباسات بالخط العربي، وبجانبه رسمة صغيرة تعبر عن تلك الكلمات وما تحمله من مشاعر حتى تتسلل إلى قلب كل من يراها ليشعر بحروفها وكأنها لوحة حية.
بعد الانتهاء من الرسمة الأولى بماذا شعرتِ آنذاك؟
كان شعوري حينها لا يوصف، حيث كان حلم انتظرت تحقيقه منذ طفولتي، فما إن اكتشفت أن الناس أحبت ما أقدمه ازداد حماسي وتجددت الطاقة داخل قلبي مرة تلو الأخرى، وكانوا دومًا يخبرونني أنهم يتعرفون على خطي ورسوماتي بسهولة قبل أن يلاحظوا الإمضاء، وما إن شعرت بتلك السعادة حتى أيقنت أنني على الطريق الصحيح حتى بدأت في عالم المراسيل.
كيف تحول الأمر من شغف بالماضي إلى عمل تجاري؟
بدأ الناس آنذاك في طلب جوابات مني بمقاطع معينة من أغنيات أو اقتباسات، وأنا أنفذ التصميم حسب ذوقي الخاص، حتى بدأت أيضًا الرسم على جذوع الشجر، وكذلك قمت بتصميم نوت بوك يدويًا بخطي وبورق كرافت أو ورق قديم من أجل أن تصبح الهدايا مميزة ذات طابع خاص وكأنها من سنوات مضت لكن ما زالت تحتفظ برونقها الساحر، كذلك أحاول دومًا في مرحلة تلو الأخرى أن أضيف عنصرًا جديدًا لأعمالي من أجل أن تصبح فريدة لم يصادفها أحدًا من قبل.
ما هو أغرب هدية طلب منكِ تنفذيها وما أجمل ما صنعتيه؟
طلب أحدهم مني ذات مرة أن أصمم مجموعة مراسيل عن الفراق ومن ثم أرسلها لشخص آخر من أجل أن تبقى ذكرى مميزة حتى وإن لم يكن هناك أمل للعودة للطرف الآخر.
أما عن أجمل ما صممته فهي نوت بوك لمقاطع من أغاني عمرو دياب بتصميم الـ Art journalling، وهي أكثر عمل أخذ مني وقت ومجهود كبير وتفكير أطول.
ما هي أحلامك التي تسعي من أجلها؟
أحلم أن ترى الناس موهبتي في العالم أجمع، ليدرك الجميع أن هناك عدد كبير من المواهب لا يعرفها أحد، كما أتمنى أن أنشئ المعرض الخاص بي الذي يحمل علامة تجارية مميزة للهدايا والمراسيل، كما أنني أفكر بتعلم الديكوباج والزخرفة والريزن بجانب الرسم والخط.
اقرأ أيضًا: “دنيا جمال” تناشد من أجل تقبل الآخر بعدسة إنسانية حملت عنوان “مختلف”