كاتب ومقال

دار في خاطري| العزف على وتر النسيان

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي 

في أحد أيام فصل الشتاء، وبالتحديد في بداية شهر ديسمبر، حيث الطقس البارد الذي يشعر المرء بالكسل، وعدم الرغبة في مغادرة الفراش. استيقظت لمياء باكرا للذهاب إلى العمل، لم تكن نشيطة بالقدر الكافي لتأدية عملها ولكنها إستطاعت إستعادة نشاطها بعد تناول مشروبا ساخنا، وبدأت العمل، وبعد قليل حضر زميلها خالد وبدأ عمله في كسل، وما هي إلا لحظات حتى أستدعى المدير خالد.

عاد خالد بعد نصف ساعة مبتهجا، قال لزميلته لمياء: سأزف إليك بشرة سارة، فقالت لمياء: “أخبرني ما الامر؟!” قال خالد: “لقد وعدنا المدير بمكافأة مالية في حال حطمت مبيعات هذا الشهر الرقم القياسي”، فقالت لمياء: “حسنا حسنا، وكم تبلغ المكافأة؟” قال: “عشرة بالمائة من راتبنا الشهري”، فابتسمت وقالت: “ولماذا لم يجعلها خمسة عشر؟!” فقال خالد: “يالك من طماعة، لابد أن نبذل جهدا إضافيا حتى نحصل على المكافأة”، قالت لمياء: “لست بحاجة لزيادة جهدي، فأنا أبذل قصارى جهدي في العمل”، فقال: “وأنا أيضا، ولكن لا مانع في الزيادة”، فقالت: “حسنا وكم بلغت مبيعات الشهر الماضي؟” قال خالد: “بلغت … ربما … لا أذكر بالتحديد، ثم راح يبحث في حاسبه الآلي”.

وهنا قالت لمياء: “يالك من سريع النسيان”، فقال: “نعم! وتضعف ذاكرتي يوما بعد يوم”، فقالت: “ماذا نفعل إذا أتى يوما ونسيت كم يبلغ راتبك الشهري؟!” فضحك وقال: “سأدبر أمري بالمبلغ الذي أتقاضاه كما أفعل كل شهر، ولن أطلب من المدير أي زيادة”، فقالت: “أعرف شخصا سريع النسيان إلى حد يجعله ينسى ما قاله في نفس الوقت الذي تفوه به، حتى ظننت أنه سيأتي اليوم الذي سينسى فيه اسمه، وسيكون عاجلا لا آجلا”، فقال على الفور: “حمدا لله فأنا أتذكر اسمي، وعمري، ومقر عملي، ومقر سكني، ثم ضحك وقال: أتعلمين أن صاحب العقار الذي اسكن فيه أراد يوما خداعي؟ فقد أراد أن يجعلني أدفع المبلغ الخاص بالصيانة مرتين، إنه يعرف أمر ضعف ذاكرتي”.

فقالت: “وماذا فعلت إذن؟!” قال: “علمت بأنه يخدعني لأنني أسجل مثل هذه الأشياء على ملاحظات هاتفي”، قالت: “لا أعلم سبب زيادة أعداد كثيري النسيان هذه الأيام، أتعلم ما السبب؟!” فقال: “ربما كانت التكنولوجيا الحديثة وراء ذلك، أو ربما الضغوط النفسية”، فقالت: “إن الأمر يزداد بين الأطفال، فأنني لا أرجح بأنها بسبب ضغوط نفسية”، فقال: “إذن فهي التكنولوجيا، لقد قرأت مقالا عن هذا الأمر … لا أعتقد عن هذا الموضوع بل كان عن … لا أتذكر، يبدو أنني سأفقد ذاكرتي عما قريب”.

فقالت: “إن هناك الكثير من البشر يعتادون نسيان من حولهم، فيمضوا في الحديث عن مواقف متكررة، وأحداث مر عليها زمن بعيد، يذكرونها وكأنها الأمس القريب، غير مبالين بأن من بين هؤلاء شخصا ما زال يحتفظ بقدرات ذاكرته”، فقال: “أنت محقة، وأيضا منهم من يخدعوننا كما فعل صاحب العقار”، فقالت: “بالتأكيد، ولكن يبدو أنك لم تسجل كل ما يحدث معك على ملاحظات هاتفك، خاصة ما يحدث في العمل”، قال: “نعم! لأنني أنسى فعل ذلك، ولكن كيف عرفتي؟!”.

فضحكت ضحكة عالية وقالت: “لأن المدير وعدنا بتلك المكافأة في أول ديسمبر من العام الماضي، وكانت قيمتها خمسة عشر بالمائة من الراتب، ولأننا أبينا المطالبة بها ظن أننا نسينا الأمر، واليوم سعدنا بالأمر نفسه، وهو على يقين أكبر بنسياننا الأمر مجددا”، قال خالد: “ولكنني نسيته فعلا”، قالت: “ولكنني لم أنس، فأنا من القلائل الذين يحتفظون بقوة ذاكرتهم وينسى وجودهم المخادعون”.

 

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى