كاتب ومقال

دار في خاطري| المتعلم الجاهل

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي

ما هو الجهل؟ ومن هو الجاهل؟ وما هي الأمية؟ وهل الجهل هو الأمية؟! اتعتقد أن كل جاهل أمي؟! وفي رأيك ما هي الثقافة؟ أتعتقد أن كل متعلم مثقف؟! وهل هناك متعلم جاهل؟!

إن الأمية هي كلمة تطلق على من لا يعلمون القراءة والكتابة، فالشخص الأمي هو من لا يقرأ ولا يكتب، وعكسه شخص متعلم، أما الجهل فهو عدم المعرفة بالأشياء، فالجاهل هو من لا يعلم، وعكسه المثقف، وأمثلة الجاهل كثيرة منها جاهل بالعلوم المختلفة، جاهل بما يدور من حوله، جاهل بالتكنولوجيا، وجاهل بالألفاظ والكلمات، وجاهل بعلوم الدين، جاهل بالأحداث اليومية، جاهل موقع بلده ومعالمها، وغيرها.

وهنا أطرح سؤالا هاما وهو هل الأمي جاهل؟! الأمي جاهل بالقراءة والكتابة، فهو لا يعلمها، ولكن من الممكن أن تجد شخصا لا يجيد الكتابة والقراءة، ولكنه يعلم جيدا ما يدور بين الدول من الناحية السياسية، أو تجده يعلم جيدا الكثير عن بلده من حيث موقعها، ومعالمها السياحية مثلا، فهو على دراية وعلم ولكنه غير متعلم.

ذلك يجعلني أقول بأن الثقافة هي إلمام الإنسان بكل ما يدور من حوله، بداية من المكان الذي يعيش فيه، إلى أن يصل إلى كل ما يحدث في الكون بأكمله، فالمثقف وهو من يجمع في معرفته بين العديد من العلوم والآداب والفنون، هو من يعلم بكل جديد، ولكي يصل الإنسان إلى درجة مثقف ليس بحصوله على الشهادات التعليمية المعتمدة، أو وصوله إلى أعلى الدرجات العلمية، فكم من متعلم جاهل.

أجل! إن هناك الكثير من المتعلمين جهلاء، فعندما تجد طالبة جامعية في عامها الأخير بالجامعة لا تعلم إن كانت مصر تقع في قارة أفريقيا أم لا مع العلم بأنها مصرية، أو أن تجد طبيبة لا تعرف النطق الصحيح للكلمة التي تصف بها حالة الإغماء، فتنطقها خطأ، أو تجد خريجا من كلية الإعلام، يود أن يعمل مذيعا أو صحفيا كل ما يعرفه عن جمال عبد الناصر أنه اسم محطة لمترو الأنفاق.

وأن تجد أيضًا طبيبا باطنيا لا يعلم لماذا يتناول المريض دواء ما لعلاج الأذن، لمجرد أن ذلك ليس تخصصه، وماذا عن دارس التاريخ الذي يحمل شهادة تدل على ذلك حين تسمعه يقول نكسة 1977 مع علم العالم كبيرا وصغيرا بأن انتصار أكتوبر تم في عام 1973؟! بالإضافة إلى البعض وليس الكل بالتأكيد من الحاصلين على درجة الدكتوراة لا يعلمون أبعد من حدود رسالتهم العلمية، وذلك إن علموا بما في داخلها، أليست كل هذه الأمثلة وغيرها الكثير مثالا على جهل المتعلمين؟!

ومن جانب آخر تجد الصورة الفضلى للمتعلمين، فتجد طبيب أسنان ماهر ملما بشتى أنواع المعرفة، فتجده يتحدث عن التاريخ، والسياسة، والموسيقى، وذلك بالإضافة إلى علمه الواسع بجميع فروع الطب البشري، وأيضا تجد معلم جغرافيا ملما بعلوم الكمياء، والفيزياء، والرياضيات بالإضافة إلى الشعر، فإذا تحدثت إلى أحدهم تشعر بالسعادة، فلهم منا التحية وكل التقدير.

إن العلم ليس له حدود، وليس له سن معين يبدأ منه وينتهي عنده، فكما قال ابن قتيبة: “لا يزال المرء عالما مادام في طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد بدأ جهله”، فإن الجهل هو قمة الثالوث المدمر للمجتمعات وهو (الجهل، والفقر، والمرض) ففي رأيي أن الجهل هو المسبب للفقر والمرض، فإن وجد وجدا معه، وإن زال زالا معه، فالجاهل الثري، يبدد ماله ويدمر به صحته، فهو يجهل كيف ينفقه وكيف ينتفع به، وما أجمل الغنى بالثقافة والعلم، والعقل الراجح المدبر.

فقد قال علي بن أبي طالب: “لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب”. ولكن هل يجب على المثقف لكي يصبح مثقفا أن يعلم كل شيء؟! وإلا أصبح جاهلا؟! إن القدرة العقلية للإنسان من الصعب عليها الإلمام بكل شيء للوصول إلى حد الكمال، فالكمال لله وحده، ولا أحد باستطاعته معرفة كل شيء فإن الله وحده هو العليم الخبير، وقد قال الله في سورة يوسف:” وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ”.

إذن فما يجب على المرء أن يفعله هو أن يبحث دائما عن المعرفة، لا يتوقف عن التعلم، وألا يخجل من عدم معرفته للأشياء فطريق الثقافة رفيقه السؤال لمحو الجهل، وإن القراءة ليست السبيل الوحيد إلى الثقافة، فإن السبل كثيرة ومتعددة صحيح أن أهمها القراءة ولكنها ليست وحدها، فالاستماع والمشاهدة إلى البرامج العلمية والثقافية، والندوات العلمية والثقافية، ومحاورة المثقفين من السبل المتاحة للوصول إلى الثقافة.

فلابد أن تثق بأن أفضل الناس هم من تتعلم من حديثهم أشياء، حتى وإن كان منهم من يصغرك سنا أو علما، فلا أحد يعلم كل شيء، والجاهل فقط هو من يظن بأنه يعلم كل شيء، ويعرف كل شيء، ولا أحد سواه يعلم، وقد قال في ذلك شكسبير:” الجاهل يعتقد نفسه حكيما، وأما الحكيم من يظن نفسه أحمق”.

اقرأ أيضًا: دار في خاطري| الإنسان والتاريخ

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى