دار في خاطري| ما بين الصواب والخطأ
هل أنت على صواب أم خطأ؟! هل من الممكن أن تدرك أنك مخطئ؟! وما هو مدى إدراكك للصواب والخطأ؟! وهل تختلف المفاهيم حول الصواب والخطأ بين البشر؟! وما هو مقياس الصواب والخطأ؟! وهل تتباين المواقف والأشياء ما بين الصواب والخطأ؟!
كثيرا ما يحدث خلافات بين الأفراد حول أمور في الحياة، يراها البعض صوابا بينما البعض الآخر يرى أنها خطأ، وكثيرا ما تحدث تلك الخلافات مشكلات كبيرة تصل في كثير من الأحيان إلى حد الإهانات والانقسامات، ومن ثم تتداخل بخلافات أخرى لتصل حد الأزمات الكبرى، ومن أمثال تلك الخلافات الاختلاف في الأمور الدينية، والسياسية، أو الخلافات بين الجنسيات المختلفة، أو خلافات حول الفرق الرياضية، والأعمال الفنية والأدبية، التي تصل جميعها إلى أزمات كبرى بين المختلفين.
ولكن من يكون المصيب؟! ومن المخطئ؟! دائما يرى كل طرف من الطرفين بأنه على صواب، ويرى الطرف الآخر هو المخطئ، ويبدأ كل منهما في تبادل الأدلة على صوابه، ثم يحاول كل طرف إظهار أخطاء الطرف الآخر بشتى الطرق، ثم يبلغ الخلاف أشده وتتسع دائرته بانضمام عدد أكبر من الأفراد لكلا الطرفين، وذلك يزداد بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
إن معظم هذه الخلافات يكون أساسها اختلاف في وجهات النظر، وهذا لا يعني بالضرورة وجود طرف مصيب وطرف مخطئ، بل يكون الصواب أو الخطأ مبنيا على فكر الفرد وطريقة إدراكه للأمور، وفي بعض الأحيان يكون أمرا ما في حد ذاته لا خطأ فيه، ولكن بعض من أفعال البشر تجعله خطأ، فإذا نظرنا إلى بعض الأمثلة البسيطة كصانع السكين، فإن صناعة هذه الأداة ليس بشيء خطأ، ولا فيه تحريم، ولكن عندما يستخدمها شخص ما في القتل، هنا فقد استخدمها الاستخدام الخاطئ، وكذلك القلم، فهناك من يكتب كلمات تبني، وكذلك هناك من يكتب كلمات تهدم، ولكن الكتابة، والقلم، والمداد، وكل أدوات الكتابة بريئة من كل كلمات الهدم والتدمير.
أما في ما يخص الأمور الدينية، فكل ما هو منهي عنه، وكل ما هو أمر يجب فعله، فقد ذكره الله تعالى في القرآن الكريم، وأخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فجاءت واضحة جلية في القرآن والسنة، وأما ما يحتاج إعمال العقل ليتناسب مع الزمن الذي وجد فيه فقد ترك للإنسان الكيس الفطن الذي يدرك الأمور دون الوقوع في المحرمات، أو إغفال الأوامر، فمثلا عندما يقيم شخصا ما احتفالا، فلا خطأ في ذلك، ولكن الخطأ هنا يحدث عندما يتحول الاحتفال إلى مجلس لشرب الخمر، هنا فقد دخل في إطار المحرمات، أو عندما يذكر أحدهم الناس بالدعاء ليزيل عنهم الهم والغم، فذلك لا خطأ فيه، ولكن عندما يذهب الناس إليه للتبرك وطلب الرزق وكشف الغم، فذلك هو الخطأ.
أما بالنسبة للرياضة والفن والأدب فلكل منا رأيه الخاص، وذوقه الذي يختلف عن الآخرين، فلا خطأ في أن تشجع أنت إحدى الفرق الرياضية، بينما يشجع صديقك فريق آخر، أو أنك تفضلين الروايات الرومانسية، بينما تفضل أختك الروايات البوليسية، هنا يختلف مفهوم الصواب والخطأ، فليس مشجع هذا الفريق مخطئ، وليست قارئة الروايات الرومانسية على صواب، بل الجميع على صواب مادام يرى في ذلك راحته وسعادته، شرط ألا يكون اختياره في إطار التدني الأخلاقي، أو يصل به حد الإساءة أو الأذى.
إن معيار الصواب والخطأ نحن من نحدده من وجهة نظرنا، فكل منا يرى نفسه على صواب بينما جميع من يخالفه الرأي مخطئ، ولكن إذا تقبل كل فرد رأي الآخرين، مع احترام جميع وجهات النظر لتغير مفهوم الصواب والخطأ.
وحين يدرك كل إنسان معنى أن البشر ليسوا معصومين من الخطأ، فسيدرك حينئذ أنه مخطئ، وحين يدرك أن لا يوجد إنسان مخطئ دائما، فسيعلم أنه على صواب، ولكي يدرك أين يكمن بداخله الصواب والخطأ، فليضع لنفسه مبادئ ثابتة لا تتغير في كل أمور الحياة، وتشمل كل أمر ونهي أمرنا به الله أو نهانا عنه، أما ما دون تلك المبادئ فهو قابل للتغير، عندئذ سيدرك أين الصواب فيستمر عليه، وأين الخطأ فيصححه.
بقلم:
ريم السباعي