قهوة العلوم

مع إطلاق أول سفارة افتراضية.. هل يعيد “ميتافيرس” تشكيل العالم؟

أثار إعلان “مارك زوكربيرج” عن إعادة تسمية شركة فيسبوك الشهيرة إلى “ميتافيرس” العديد من المخاوف بشأن تأثيراته المُحتملة على العلاقات الإنسانية والروابط البشرية في المستقبل، وذلك في ضوء التوقعات التي تُشير إلى إحلال الواقع الافتراضي والواقع المعزز في أنماط التفاعل البشري، سواء في العمل أو بين الأصدقاء أو العائلة محل التواصل البشري الفعلي والواقع الحقيقي.

وفي هذا الإطار، تجدُر الإشارة إلى أنه -وبحسب علماء النفس والمُتخصصين في الصحة النفسية- فإن ثمَّة آثارًا نفسية خطيرة قد يُشكلها “الميتافيرس” على البشر، لا سيَّما في حال الانخراط فيه بشكل مُفرط، وذلك من قبيل الاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية والوحدة والانفصال عن الواقع، فضلًا عن اضطرابات الصحة العقلية، مثل أمراض الذُهان والفصام والأوهام وجنون العظمة.

وفي السياق نفسه، نبَّه مختصون إلى تأثير تجربة “الميتافيرس” في خلق عوالم وتفاعلات مزيفة ومُلفقة في التواصل بين البشر؛ إذ تُتيح التقنية الحديثة للأشخاص إنشاء وإبراز معلومات وصور ومظاهر مثالية وغير واقعية سواء لشخصياتهم وصورهم، أو للأماكن التي يقيمون فيها ويعملون بها، الأمر الذي سيُفضي في نهاية المطاف إلى انعدام الثقة والمصداقية في العلاقات الإنسانية، مما قد يدفع بعض الأشخاص إلى مزيد من العزلة وتجنب التواصل الحقيقي.

ومن زاوية أخرى، يُشير البعض إلى مخاطر الميتافيرس على الصعيد المجتمعي؛ حيث من المتوقَّع أن تتجاوز أضراره وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية؛ إذ تُتيح تقنية الواقع المعزز معرفة المعلومات المتعلقة بالأشخاص والتعرف على توجهاتهم وأذواقهم واهتماماتهم، مما قد يمكِّن القائمين على هذه التقنية والشركات العالمية الكبرى من تغذية كل شخص بأخبار ومعلومات مضللة وأكاذيب مصمّمة وفقًا لمعتقداته الشخصية، الأمر الذي يفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل الآراء بشكل موجّه وتزييف الحقائق، فضلًا عن تعزيز التحيزات الشخصية، وتفاقم الانقسامات المجتمعية، وإثارة الكراهية والاستقطاب في المجتمع.

الإرهاب والتكنولوجيا:

يمكن للتنظيمات الإرهابية الاستفادة من الميتافيرس، بحيث يمكن انتقال الإرهاب إلى مستوى آخر عبر زيادة الخدع البصرية، الأمر الذي قد تستغله التنظيمات الإرهابية لبث الرعب في نفوس الأفراد، بما قد يسهم في زعزعة استقرار الدول، خاصةً أن الأفراد في مرحلة ما لن يكونوا قادرين على التفرقة بين الواقع والخيال نتيجة لتداخلهما التام مع بعضهما البعض.

ومن جانب آخر، يمكن للتنظيمات الإرهابية استخدام التقنيات الجديدة في تطوير أساليب تدريبها لأعضائها، فضلًا عن إمكانية استغلالها في تجنيد المزيد من الأفراد خاصة الشباب الذين قد يرغبون في محاكاة سلوك الجماعات الإرهابية، بجانب استغلالها لزيارة ودراسة الأماكن التي يرغبون في تنفيذ عملياتهم الإرهابية بها دون أن يتطلب ذلك منهم وجودًا جسديًّا أو تصاريح سفر، والانتقال من مكان لآخر.

فضلًا عما سبق، ستتمكن التنظيمات الإرهابية من شراء وتجريب الأسلحة التي ترغب في الحصول عليها. وقد تستطيع استحضار الأفاتار الخاص ببعض قادة التنظيم الذين قُتلوا خلال عملية إرهابية على سبيل المثال، أو تم إلقاء القبض عليهم من جانب الحكومات لإيهام أفراد التنظيم بخطأ الروايات الحكومية، وهو ما سيخلق ما يعرف بـ “الخلود الافتراضي” الذي سيجعل أفكار الأشخاص وشخصياتهم حاضرة افتراضيًا حتى بعد وفاتهم، مما سيمنح سطوة كبرى للتنظيمات الإرهابية.

عالم رقمي جديد:

تمتلك تقنية الميتافيرس اقتصادًا مستقلًا عن الاقتصاد الحقيقي للدول، ومن ثمَّ فمن المحتمل أن تكون العملات الرقمية هي الأداة الرئيسة للتعامل فيما بعد سواء في العالم الحقيقي أو الافتراضي، وأشهرها البيتكوين Bitcoin والإيثريوم Ethereum. وقد أصبحت بعض الشركات جزءًا من الاقتصاد الرقمي الجديد خلال السنوات القليلة الماضية، وعلى رأسها شركات الألعاب الإلكترونية، مثل: Fortnite، وAnimal Crossing، وMinecraft؛ حيث تعمل هذه الألعاب على إنشاء عالم كامل داخلها بصورة افتراضية، بما يُقنع المستخدم بأنه في عالم أقرب إلى الواقع بصورة كبيرة.

وتطوَّر الوضع فيما بعد إلى ما يُعرف باسم ديسنترالاند Decentraland، وهي منصة واقع افتراضي تُمكِّن مستخدميها من التعايش داخل الواقع الافتراضي، من خلال شراء الأراضي وبيعها، فضلًا عن تلقي رسوم عبور من الأشخاص في حال مرورهم بهذه الأراضي، وتم تطبيق هذا الأمر بالفعل في يونيو 2021؛ حيث تم شراء قطعة أرض في طوكيو عبر المنصة من قِبل صندوق الاستثمار العقاري الرقمي Republic Realm بقيمة تزيد على 900 ألف دولار أمريكي، وتم تحويلها إلى مركز تجاري افتراضي يسمى ميتاجوكو، على غرار حي هاراجوكو في طوكيو.

وفي هذا السياق، يرى المحللون أن النظام الاقتصادي المعمول به في ميتافيرس سيتمكن من تحقيق نمو كبير في الصناعات المختلفة؛ حيث ستعمل ميتافيرس على توفير عدد كبير من الوظائف في المستقبل القريب.

كما يرى الخبراء المختصون في هذا المجال أن تقنية ميتافيرس قد تكون فرصة لكسب إيرادات سنوية تصل إلى 1 تريليون دولار في المستقبل القريب، وذلك من خلال الإعلانات والتجارة الإلكترونية، وفيما يتعلَّق بإيرادات الألعاب الافتراضية فمن المتوقَّع أن تصل إلى 400 مليار دولار في عام 2025، بعدما وصلت إلى 180 مليار دولار فقط عام 2020.

وفي الإطار ذاته، ارتفعت قيمة العملات الرقمية بصورة كبيرة منذ بدء شركة “ديسنترالاند” في العمل ضمن تقنية الميتافيرس؛ حيث ارتفعت قيمة العملة المشفرة إلى 550% خلال شهر نوفمبر من العام الجاري، مع وجود توقعات بأن تتجاوز قيمة المعاملات في سوق العملات الرقمية إلى 6.1 مليارات دولار بنهاية العام الجاري، على أن تصل إلى 42 مليار دولار بحلول عام 2026.

وفي ضوء ما سبق، سيتم خلق اقتصاد عالمي جديد يتشارك فيه المستخدمون ويتبادلون القيم الاقتصادية بما يتشابه مع العالم الحقيقي ، ويحصل فيه الأفراد على المال في الواقع الافتراضي بدلاً من الواقع الحقيقي.

عالم افتراضي جديد:

أبرمت وزارة خارجية جزيرة باربادوس -إحدى دول البحر الكاريبي- اتفاقية مع منصة “ديسنترالاند” Decentraland للواقع الافتراضي؛ لتدشين سفارة رقمية على منصة ميتافيرس التابعة للشركة، لتُعد بذلك أول دولة في العالم تمتلك سفارة على منصة ميتافيرس، وعيَّنت باربادوس محامين ومستشارين قانونيين لجعل السفارة الرقمية تمتثل لأحكام القانون الدولي واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ومن المقرر أن تبدأ السفارة عملها رسميًّا في 1 يناير 2022.

ويرى الخبراء أن باربادوس قد تمثِّل نموذجًا في هذا الشأن يمكن للدول الأخرى أن تحذو حذوه، مرجِّحين أن التطورات التكنولوجية المتسارعة في المستقبل ستدفع دول العالم كافة إلى إنشاء سفارات افتراضية تعتمد بالكامل على تقنيات ميتافيرس، أخذًا في الاعتبار أنه من المُستبعد أن تحل التكنولوجيا الجديدة محل الأسلوب الدبلوماسي التقليدي.

ومن المتوقع ألا يتم استبدال السفارات التقليدية بأخرى افتراضية بصورة كلية، وذلك في ضوء الصعوبات المحدقة بتعامل السفارات مع التأشيرات والاتفاقيات والمشروعات المهمة في العالم الافتراضي، ومن ثمّ فإن جوهر أعمال السفارة في ميتافيرس لن تتجاوز مهام حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، أو المواقع الإلكترونية لها على الإنترنت، أو تطبيقات الهاتف المحمول ذات الصلة.
وفي سياق متصل، جاء إطلاق شركة NIKE لأول حذاء افتراضي في العالم، ليصبح متاحا للمستخدمين، ليبقى القوس مفتوحا أمام منتجات أخرى، ويبقى كل احتمال وتكهن له فرصة التحقق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى