كلام رجالة

“ذهاب إلى قبرص بلا عودة”.. المحطة الأخيرة في حياة يوسف السباعي قبل اغتياله 

في يوم الجمعة الموافق17 من فبراير 1978، وصل يوسف السباعي وزير الثقافة المصرى آنذاك، إلى العاصمة القبرصية، نيقوسيا، على رأس الوفد المصري المشارك في مؤتمر التضامن “الأفروآسيوى” السادس، وبصفته أمين عام منظمة التضامن الإفريقي الآسيوي، لكن السباعي لم يكن يعلم ما تخبأ له هذه الرحلة.

في صباح يوم السبت، نزل يوسف السباعي من غرفته بفندق هيلتون، متوجهًا إلى قاعة المؤتمر بالطابق الأرضي، وكان المؤتمر قد بدأ بالفعل برئاسة الدكتور فاسوس ليساريدس، نائب سكرتير المنظمة، ورئيس الحزب الاشتراكي القبرصي، توقف السباعى في تلك الأثناء أمام منفذ بيع الكتب والجرائد المجاور لقاعة المؤتمر، وحينها أطلقت عليه 3 رصاصات أصابته فى مقتل. فارق يوسف السباعى الحياة وسرعان ما تناقلت الحادثة وكالات أنباء الأخبار.

وبالرغم من الحادث المريع الذي ذاع صيته في أرجاء العالم فور وقوعه، إلى أن هناك عددًا من الشخصيات التي أثبتت أن يوسف السباعي كان مهيأ نفسيًا للاغتيال بشكل صريح ومباشر.

تنبأ السباعي بحادثة اغتياله.. هذا ما قالوه

محمد صبيح – الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية: طلبنا وأنا كنت من المصرين أن يكون هذا الاجتماع إما في موسكو أو في برلين لأن هناك تتوفر حماية.. حماية دول قادرة، و لم تستجب هذه الدول.

نوري عبد الرزاق – السكرتير العام لمنظمة التضامن الأفرو آسيوي: الأستاذ السباعي بيّن بأن هنالك تهديدات من بعض المنظمات الفلسطينية أعلنوا إنهم يستهدفون جميع الذين رافقوا الرئيس السادات في رحلته.

مرسي سعد الدين – كاتب وصحفي: “هم قالوا كان فيه كشف وأنا كنت ضمنه لأن أنا كنت ضمن اللي راحوا القدس ورحت بعد كده القدس تاني في اللجنة السياسية فبيقولوا كان فيه كشف ناس سيغتالوا يقولوا كان على رأسهم يوسف السباعي”.

كمال بهاء الدين: “وأنا قاعد حوالي الساعة 11 صباحا سمعت الثلاثة طلقات فطلعت جري على الكريدور الممر ده اللي جنب الغرفة فيه كان كشك بتاع جرائد في آخر الممر بصيت لقيت المرحوم الشهيد يوسف السباعي مرمي في الأرض جنب الكشك ومضروب في دماغه بالرصاص”.

كيف تنبأ السباعي باغتياله في نصوص رواياته؟

في عام 1948 نشر يوسف السباعي مجموعة قصصية بعنوان «يا أمة ضحكت» تضمنت قصة قصيرة عنوانها «بصقة على دنياكم»، هذه القصة التي نُشرت قبل رحيل الكاتب بـ30 عامًا، تتحدث عن صبي يعيش بأحد الأحياء الشعبية، شديد الولع بسلاح الفرسان في الجيش، ولكنه يصبح صحفيًا شهيرًا، ويعين وزيرًا، ثم رئيسًا للوزراء، إلى أن يتم اغتياله، ويُترك على سلالم الوزارة حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.

كان السباعي يتحدث عن نفسه في هذه القصة؛ فهو الصبي الصغير الذي نشأ بحي السيدة زينب بالقاهرة، وهو المولع بسلاح الفرسان، والذي يلتحق فيما بعد بالكلية الحربية، ولكن المثير للدهشة حقًا هو أنه قد تنبأ بأنه سيصبح وزيرًا، وأنه سيتم اغتياله، بل سيتم تركه حتى ينزف دمه وتفيض روحه، تمامًا كما حدث معه في واقعة اغتياله، فقد منع قتلته أي شخص من الاقتراب منه أو إسعافه؛ حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

وليست هذه هي المرة الوحيدة التي تنبأ فيها يوسف السباعي بحادثة اغتياله؛ فهو قد كتب أيضًا في روايته «طائر بين المحيطين» حيث تنبأ في اقتباسه قائلاً: ماذا سيكون تأثير الموت عليا وعلى الآخرين؟ لا شيء.. ستنشر الصحافة نبأ موتي كخبر مثير، ليس لأني مت بل لأن موتي سيقترن بحادثة مثيرة..”

وبعد اغتيال السباعي، اختطف القاتلان 30 عضوًا من أعضاء الوفود المشاركين فى مؤتمر التضامن كرهائن، واحتجزوهم فى كافيتيريا الفندق مهددين باستخدام القنابل اليدوية في قتل الرهائن، ما لم تستجب السلطات القبرصية.

ماذا قال القاتلان؟ 

بعد التحقيقات معهما، رجحوا أن سبب الاغتيال بسبب زيارة يوسف السباعي مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ولأنه بحسب رأيهما كانت له مواقف معادية للقضية الفلسطينية، وما لبثت منظمة التحرير الفلسطينية أن نفت علاقاتها بالحادث.

جاء الرد صارم من الرئيس السادات فأرسل في اليوم التالي طائرة تقل مجموعة من رجال الصاعقة إلى قبرص بغرض القبض على القاتلين وتحرير الرهائن المحتجزين على متن الطائرة القبرصية، وفي السادسة مساءًا طلب قائد الطائرة العسكرية المصرية رخصة للهبوط في مطار لارنكا، لأنه على متن الطائرة وزيرًا مصريًا حضر خصيصًا للتفاوض مع القاتلين.

الرئيس السادات وقتها أعلن الحرب على قبرص اذا لم تعد كل القوات المصرية و كل الرهائن إلى مصر خلال ساعات معدودة عادت القوات المصرية بالفعل و تدخلت أمريكا و بريطانيا لتهدئة الامور و قامت مصر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قبرص.

من هو يوسف السباعي؟ 

هو من أهم الأدباء المصريين الذين احتلوا أهم المناصب المرموقه في الدولة، حتى أصبح وزيرًا للثقافة، وما لا يعلمه الكثيرين أن يوسف السباعي كان قد ارتاد الكلية الحربية، بل وتدرج في الرتب حتي وصل إلى رتبة عميد، ولكنه كرس حياته في الأدب والثقافة، ومن أشهر رواياته:

نحن لا نزرع الشوك

بين الأطلال

أرض النفاق

وصفه أنيس منصور بإحدى مقالاته، ذلك الشخص الذي ما إن تعرفه فإنك «إما أن تحبه أو تحبه جدًا»  فهو «أمهر أبناء جيله في فن القصة» كما وصفه طه حسين، وهو أيضًا ذلك الكاتب صاحب الأسلوب السهل الساخر الذي يفيض عذوبة، ولكن أني لكاتب أن يتحدَّث عن الموت في كل أعماله تقريبًا بأسلوبٍ سهل ساخر عذب، ويستطيع في الوقت نفسه أن يتجنَّب أسلوب القتامة والخوف اللذين يحملهما الموت معه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى