الشهيد الرائد عبد الهادي السقا.. بطل المخابرات المجهول في حرب أكتوبر
في أكتوبر هناك الكثير من الرموز التي نحتاج أن يعرفها الجيل الحالي، ولذلك تتناول “منصة كلمتنا” أسطورة المخابرات الذي لا يعرفه أحد، أحد رادارات مصر البشرية ظل خلف خطوط العدو 159 يومًا في حرب الاستنزاف، يراقب العدو متخفيًا وسط الجبال والمغارات ويرسل المعلومات يوميًا، وفي يوم النصر 6 من أكتوبر عام 1973م، لقى الشهيد ربه، بعدما أدى واجبه على أكمل وجه.. الشهيد الرائد عبد الهادي السقا.
يعد الشهيد عبد الهادي سقا أحد أفراد “الكتيبة 9” استطلاع خلف خطوط العدو، ونجح في الوصول إلى العمق في كافة المهام التي أُسندت إليه، ضمن رجال كتيبة المخابرات الحربية التي عملت على استطلاع كافة نقاط تمركز العدو على أرض سيناء المباركة، تمهيدًا ليوم الكرامة.
العميد أ.ح فتح الله رياض السقا، شقيق الشهيد تحدث في حوار عبر قناة “المجموعة 73 مؤرخين” عن بطولات الراحل، نقلًا عن مذكرات بخط يد الرائد عبد الهادي السقا، مستشهدا في بداية حوار بقول الله تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، موضحًا أنه تخرج ضمن الدفعة 64 أ، وهي آخر كلية تخرجت من الكلية الحربية قبل حرب أكتوبر 1973، وأنه شارك ضمن صفوف قواتنا المسلحة في الحرب، كما شارك أخوه الشهيد الرائد عبد الهادي السقا.
يضيف أن عبد الهادي استشهد في سيناء خلف خطوط العدو في يوم 6 أكتوبر 1973م، مؤكدًا أن حياة الضابط عبد الهادي حافلة بالمواقف الإنسانية بجانب استبساله في التدريب والتفاني في عمله، لتقديم المعلومات عن العدو، ويوضح العميد فتح الله السقا أن علينا ان نعلم الأجيال المقبلة معاني التضحية والفداء للوطن، وأن السلام صنعته أرواح ضحت بنفسها؛ لنحيا آمنين، وأن شباب مصر قدموا أنفسهم للدفاع عن الأرض، ومن بينهم الشهيد الرائد عبد الهادي، نال الشهادة بعد سنوات قلائل من تخرجه من الكلية الحربية.
ويضيف العميد “فتح الله” أن الشهيد “عبد الهادي” هو مثله الأعلى، وهو من شجعه على الالتحاق بالكلية الحربية في أكتوبر 1971م، لما رآه من بطولاته وتكريمه من قبل الرئيس الراحل أنور السادات، بعد تنفيذ مهامه خلف خطوط العدو، موجها رسالة لأخيه الشهيد أنه سار على خطواته، وعمل بنصائحه التي أسداها له مضيفًا: “بذلنا جهدًا أنا وبقية الأبطال لتحرير سيناء وتحقيق النصر، الذي لطالما حلم به الشهداء، وكنت أتمنى أن انال الشهادة، ويجعنا الله في جنته، ولكن الأعمار بيد الله”.
ويتابع عن نشأته، حيث ولد الشهيد عبد الهادي في 12 أبريل عام 1949م، في إيتاي البارود بالبحيرة، ضمن أسرة من 4 إناث و4 ذكور، جاء ترتيبه الثاني في الذكور، وحين كان عمره 6 سنوات التحق بمدرسة رمسيس الابتدائية، والتي تبعد 2 كم عن قريته، ورغم ذلك كان يقطعها بصبر في البرد والأمطار والطقس البارد، وقد كتب عنها الكثير في مذكراته، والتحق بمدرسة إيتاي البارود الإعدادية، وتبعد 5 كم عن قريته، ومستقبلًا سميت باسمه بعد استشهاده وأصبح اسمها “مدرسة الشهيد عبد الهادي رياض السقا الإعدادية للبنين”، وفي الثانوية العامة بدأ حبه للالتحاق بالقوات المسلحة، وكان الشهيد متفوقًا في دراستة، سبتمبر 1966 التحق بالكلية الحربية وتخصص في سلاح المدرعات، ومعروف عن المدرعات أنها القوة الضاربة في المعركة، وتقود الهجمات المضادة لتحرير الأرض، وأثناء وجوده في الكلية الحربية اجتاز دورة “قادة فصائل” بامتياز، ولكن خلال هذه الفترة جاءت نكسة 1967م، وحرص الجيش على الثأر لشهدائنا في المعركة.
ويضيف العميد أن علاقته بأخيه الشهيد علاقة معلم بطالبة بجانب الأخوة، مضيفًا أن الشهيد كان يقيم بشارع الشيخ حسونة في كوبري القبة، وفي سبتمبر 1669 تخرج من الكلية الحربية، ولم يجد نفسه في كشوف ضباط المدرعات، وعلم لاحقًا بتوزيعه على سلاح المخابرات الحربية، وفي إدارة المخابرات الحربية كانت الإدارة تتابع شبكات المدفعية على الجبهة، وثاني يوم قابل مدير السلاح اللواء محمد أحمد صادق، والذي أصبح وزيرًا للحربية، وكان نائب المدير للمعلومات اللواء محرز مصطفى، والذي أصبح لاحقًا مديرًا للمخابرات الحربية، وكان نائب المدير للاستطلاع اللواء عبد الغني الجمسي، والذي أصبح وزيرًا للدفاع بعد ذلك، حيث وجه كلامًا شخصيا لضباط كتيبة 9 استطلاع أنه تم انتقاءهم من العناصر المشهود لها بالكفاءة والقدرة البدنية العالية، وهذه المجموعة ستعمل خلف خطوط العدو، وهذه مهمة فدائية في المقام الأول، وقد يعملوا خلف خطوط العدو لمدة تصل لنحو 5 أشهر، دون النزول إلى القاهرة.
يضيف العميد فتح الله السقا، وفقًا لمذكرات أخيه الشهيد “عبد الهادي” أنه هذه المهمة كانت فرصة لتحقيق النصر للوطن والقيام بعمل بطولي في سلاح المخابرات، وبعدها توجهوا للكتيبة في الهايكستب، وقابلوا قائد الكتيبة المقدم أحمد صلاح، والذي رحب بهم، ويضيف -وفقًا لمذكرات الشهيد- أنه في يوم 9 سبتمبر 1968، بداية حياة خلف خطوط العدو لإثبات نفسه كضابط مخابرات خلف خطوط العدو، وفي يناير التحق بفرقة سرايا استطلاع، في مدرسة المخابرات الحربية بتقدير جيد جدًا، وخلال شهرين جاء التكليف بعبور قناة السويس للعمل خلف خطوط العدو الإسرائيلي.
ويسرد العميد فتح الله، أنه في هذا التوقيت يشعر وكأن الله اختاره -هو- ليكون جاهزًا للمهام التي ستوكل إليه مستقبلًا، ومهمتي كانت مشاريع في أماكن مختلفة في مصر، والهبوط بالهيلوكوبتر خلف خطوط العدو للاستطلاع، المخابراتي عن أهداف العدو وقواته وإبلاغ القوات المصرية، وشعرت أن الكلام نابع من قلبه، ولذلك تمنيت أن ألتحق بالقوات المصرية على الجبهة، وعاهدت نفسي على تجهيز نفسي بدنيًا للالتحاق بالكلية الحربية، وكنت ضمن الدفعة 64 أ بالكلية الحربية في 1971م، ويتابع أن الشهيد الراحل كان يستضيف ضباط الكتيبة في سكنه لأنهم متفوقون علميًا ومن مساعدين الدفعة، ولم يكن هناك وقتها سلاح للاستطلاع في الكلية، وكان يتم انتقاءهم من بقية الأسلحة، مضيفًا أن مساعد الدفعة قابله في الكلية الحربية، وقال إن غدًا يوم متعب جدًا، وكان يوم التحويل من المدنية إلى العسكرية، ورغم التعب والإرهاب إلا أنه حافل بالكثير من الذكريات الطيبة.
ويتابع أن الضباط كانوا معتزين بمهامهم، موضحًا أن مهمة المخابرات أضافت الكثير، لأن التخطيط الجيد للمعركة لابد أن يُبنى على فهم قوة العدو وقواته، ولذلك علينا دراسة العدو جيدًا، متابعا: مستقبلا التحقت بكلية القادة والأركان وكنت أُدَرس ذلك في الكلية الحربية، مضيفًا أن الضباط كانوا يشعرون ببطولاتهم وما يفعلونه لإحراز النصر، ولم يفكروا في حياتهم الشخصية، ولكن أسمى هدف كان تحرير الأرض، والوصول للمعلومات عن العدو للاستعداد له، والضباط كانوا يضعون على كاهلهم مصلحة الوطن والزود عن تراب مصر وتحرير كل شبر من أرض مصر، ، ومان مبدأهم أنه من العار أن يكون لدينا شبر محتل من أرضنا ونحن أحياء.
ويضيف أن المحتل كان يبني معسكرات ويعيش حياته على أرضنا وكان ذلك إهانة لنا ولأهلنا في مدن القناة، ويضيف العميد فتح الله أنه يستشعر أن من عايش مرحلة الاستنزاف والتحضير لأكتوبر كان يتحدث من قلبه عن الوطنية والولاء والحب لهذه الأرض، ولذلك صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولقوا الشهادة، وهو جزء من بصمتهم التي دفعتنا للالتحاق بالقوات المسلحة وأداء الواجب.
ويتابع العميد فتح أن وجود العدو على الضفة الشرقية لقناة السويس أجج الثأر في صدور أبنائنا للانتقام من العدو، ولذلك تحدينا كل الموانع وأبراج المراقبة وتحدينا مزاعم العدو، وزادت الرغبة للمشاركة في هذا العمل البطولي، والاستعداد لعبور لقناة السويس، وفي الحلقة المقبلة نتحدث عن استطلاع العدو خلف خطوطه، استعدادًا لحرب أكتوبر 1973م.
تعليق واحد