دار في خاطري| كيف تفكر ابنتي؟!
في صباح يوم إجازتي كنت أقف في شرفة غرفتي، أنظر إلى الشارع، وأشاهد المارة ذهابا وإيابا، وكان ذهني مشغول بأمر يقلقني، لا أستطيع إغفال ذلك الأمر، فكم هو خطير بالنسبة لي ولزوجتي، لأنه يتعلق بإبنتنا.
وبينما أنا أفكر في هذا الأمر عدت بالذاكرة خمس سنوات حين التقيت “لورين” أول مرة، فقد كانت تفتتح مشروعها الجديد، أتذكر يومئذ أنوار براقة، وموسيقى هادئة، ومحل راقي لبيع الذهب والمجوهرات قد رتب بعناية، جذبني جمال المكان، فاقتربت لأشاهد، فشممت رائحة عطر ذكية منبعثة من الداخل، فوقفت أشاهد الذهب وكأنني سافرت إلى عالم من الخيال، وفجأة ظهرت أمامي فتاة جميلة ذات عيون تشبه الزبرجد، وشعر ذهبي ناعم ينساب على ظهرها وكتفيها، وكانت ترتدي فستانا ذهبيا أنيقا، وراحت تحدثني باللغة العربية، فعرفتني بنفسها.
إنها لورين تلك الفتاة الأمريكية الطموحة، التي أجبرت على مغادرة كاليفورنيا وأتت إلى مصر للعيش بها، فأقامت مشروع بميراثها من والدها ليساعدها على العيش.
لقد كانت لورين طيبة القلب، تساعد كل محتاج، وكانت تكره الكذب كثيرا، لقد أحببتها وهي أيضا أحبتني، فقد كنت أتردد عليها بشكل شبه يومي، فكم كنت أشعر بالراحة والسعادة في حديثها، لقد كانت تتعلم اللغة العربية لكي تستطيع التحدث إلى جميع الناس، فكانت دائما تسألني عن بعض الأمور التي يصعب عليها فهمها في اللغة العربية.
تزوجت لورين بعد تخرجي من كلية الطب، كانت تعلم بأنها أغنى مني ولكنها رضيت بالعيش معي على قدر استطاعتي، فلقد أخبرتها عن وضعي المالي البسيط بكل صراحة، ولم أكذب عليها في شيء، وعندما اقترحت علي مساعدتي رفضت فلم تعترض هي على قراري، وراحت تشجعني وتزيد حماستي لكي أصبح أفضل طبيب على وجه الأرض كما تقول لي دائما.
وبعد عام من زواجنا رزقنا الله بطفلة جميلة، تشبه أمها، فأرادت لورين أن تسميها “لارين” فأعجبت بالاسم لأنه قريب من اسمها.
كان للورين الدور الأكبر والأهم في تربية لارين، فقد كنت مشغولا دائما في عملي وأبحاثي، ولكني أتابع أحوال لارين دائما، كما أنني أثق في لورين وطريقة تربيتها، فلن أنسى أعداد الكتب التي قرأتها لورين عن تربية الأطفال منذ علمها بحملها، كما أنها كانت حريصة على تعليم لارين اللغتين الإنجليزية والعربية منذ بدأت تتعلم الكلام.
أتمت لارين عامها الثالث وقد أصبحت طفلة مشاغبة، غير هادئة، وكانت طفلة اجتماعية، تحب الناس، وتتعرف عليهم بكل سهولة وفي غضون دقائق يصبحون أصدقاءها مهما اختلفت أعمارهم.
لم أكن أعلم كيف تستطيع لارين فعل ذلك؟! فعلى مدار الثلاثين عام من عمري لم أستطع تكوين صداقات تعادل نصف عدد الصداقات التي كونتها لارين، فلا أعلم ألأنها صغيرة؟! فالأطفال محبوبون من الجميع، أو لطباعها غير الهادئة؟! أم لصدقها الدائم؟! أم لخيالها الواسع الذي يأخذك إلى عالم مسحور فيجعلك على يقين بأنه حقيقة لا ريب فيها؟! أم لكل هذه الأسباب؟! ولكن تبقى الحقيقة التي تسعدني أن جميع من يعرف لارين يحبها.
عدت من الذكريات إلى واقعي وإلى ذلك الأمر الخطير الذي يخص لارين، فخرجت من الغرفة فوجت لورين جالسة تعيد حسابات خاصة بمحل الذهب، فجلست بجوارها وألقيت عليها تحية الصباح، فردت وذهنها مشغول بما تفعل، فقلت لها: أريد أن أخبرك بشيء خطير يخص لارين، فانتبهت وقالت: ما الأمر يوسف، فقلت لها: عندما كنت عائدا بالأمس من العمل كانت لارين تتحدث إلى جارتنا، فقالت: وما المشكلة في ذلك؟! إن لارين تتحدث إلى جميع الجيران، فقالت: لقد أعطتها تفاحة حمراء وقالت لها: لقد جلبتها لك من كاليفورنيا، فلقد كنت أنا وأمي اليوم هناك، وراحت تعد لها المشتريات من الخضراوات والفاكهة التي جلبتها من كاليفورنيا، ثم سألتها ماذا تريد من كاليفورنيا إذا ذهبت غدا برفقتك، والغريب أن جارتنا كانت تتحدث معها وتصدقها وتثق بما تقول.
ضحكت لورين بصوت عال وقالت: أهذا ما يقلقك يوسف؟! فتعجبت وقلت: ألا ترين خطأ في فعل لارين؟! ألست أنت من تكرهين الكذب؟! فضحكت مرة ثانية وقالت: إن لارين تسمي محل بيع الخضراوات والفاكهة كاليفورنيا، وهنا لم استطع قول شيء، فأنا حقا لا أعلم كيف تفكر ابنتي!!
بقلم:
ريم السباعي