كاتب ومقال

عايزين إجازات أكثر

ذات مرة انتشرت في مصر قصة غير سعيدة عن عدد الساعات التي يقضيها المصريون في العمل، وخرجت إحصائية غير معروفة المصدر تقول إن الموظف أو العامل المصري لا يعمل إلا 37 دقيقة فقط في اليوم، لقد كانت كارثة وطنية تحدثت عنها الصحف لشهور، واتفق الجميع على أن السبب هو التكاسل والهروب وعدم تقدير قيمة العمل، لكن أحدا لم يبحث عن مصدر الخبر وطريقة القياس التي اعتمد عليها.
في الواقع كانت الأحوال الاقتصادية في منتهى السوء لذا اقتنع الناس بسرعة بهذه الأسطورة، كأنهم وجدوا المشكلة أخيرا.

لقد كانت وستظل فكرة أهمية العمل وقدسيته تسيطر على الإنسان بشكل عام في كافة المجتمعات، وفي الحقيقة يبرع الغرب في هذه الفكرة فهم بالفعل يقدسون العمل وكذلك يقدسون الإجازة.

في مصر، سوف تجد بالتأكيد أن جزءا كبيرا من الناس كسالى ويعملون بأقل قدر ممكن من المجهود، بلا سبب غير مزاجهم، البعض الآخر لا يعمل كثيرا لأنه مرهق من الزحام والضجيج والحرارة والإجهاد النفسي، البعض الثالث لا يعمل كثيرا لأنه يتعالى على العمل ومضطر له من الأساس، البعض لا يعمل لأنه لا يكترث.

وبشكل عام الغالبية لا يؤدون بالكفاءة أو الجودة المناسبة، ربما لأنهم لا يعلمون كيف تكون الكفاءة.
سائق الميكروباص لا يهتم بتوصيل الناس لمرادهم بشكل سلس وفعال بقدر اهتمامه بتحصيل الأجرة، المدير لا يهمه جودة تنفيذ الأعمال بقدر اهتمامه بالحفاظ على وظيفته، العامل في المصنع لا يبتكر لأنه لو فعل ذلك قد يعاقب ولا يكافأ، الموظف الحكومي الذي يتعامل مع الناس لا يجد الفرصة ليكون فعالا في وظيفته لأن الناس يضغطون عليه كل ثانية، حتى الموظف في القطاع الخاص لا تهمه الشركة لأنه لا يملكها، بقدر اهتمامه بالاستقرار في العمل وتأمين نفسه لأنه في أي لحظة يمكن الاستغناء عنه، الممثل لا يطور نفسه ولا يبحث عن الأفكار الجديدة لأن شركات الإنتاج تقليدية وغير مبدعة.

وهكذا لن تجد قيمة العمل في مجتمعنا ترتكز على الجودة، فنحن نكتفي ب “أهمية العمل”، ولا نهتم ب “أهمية جودة العمل”.

المصري يعمل بالفعل ساعات كثيرة وموضوع ال37 دقيقة غير صحيح، بل إن المصري ليس لديه مانع من العمل بعد انتهاء الأوقات الرسمية، وكذلك في الإجازات، لكنه في أحيان كثيرة حرث في البحر وبلا كفاءة وفعالية وجودة.

نختلف تماما مع الأصوات التي تطالب المصريين بالعمل وتقليل عدد الإجازات، لماذا؟
العالم كله يتجه حاليا نحو زيادة عدد الإجازات، وهناك دول بالفعل بدأت تطبيق تجربة 4 أيام عمل فقط في الأسبوع، والمفاجأة أنهم اكتشفوا أن الإنتاج يزيد في هذه الحالات لأن الموظف يرتاح أكثر فيؤدي أكثر.
الإجازات الرسمية في مصر ربما تكون 20 يوما أو أقل قليلا، وفي الولايات المتحدة 11 يوما، في ألمانيا، يختلف عدد العطلات الرسمية بين الولايات الفيدرالية، حيث توجد تسع عطلات وطنية بها في جميع الولايات، بالإضافة إلى عدد من العطلات الإقليمية التي تختلف من ولاية إلى أخرى، في سويسرا قد يصل عدد أيام العطلات الرسمية إلى 13 يوما حسب المقاطعة أو الإقليم، في إنجلترا وويلز 8 أيام.

وهكذا نجد أن الفارق ليس كبيرا جدا بيننا وبين الآخرين، وربما تكون المناسبات الدينية هي السبب الذي يجعل الإجازات أكثر عددا، وهو سبب روحاني رائع، ويشكل فرصة للإنسان للهدوء والراحة النفسية.
إذن، نحن لا نحتاج زيادة أيام العمل، وإنما نحتاج إلى إعلاء قيمة الجودة والكفاءة والفعالية، وتحقيق التوازن بين العمل والراحة.

بقلم: فيصل شمس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى