كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| تحلو مرارة عيش في رضاك

أثارت الأنباء المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية مؤخرًا بشأن اتهام إحدى الفتيات لشيخ ينتمي إلى أحد الطرق الصوفية الكثير من الجدل حول الحادثة، وحول الفتاة، وحول الشيخ وطريقته ومسجده ومريديه من عامة الناس ومن المشاهير أيضًا. ثم اتسع الجدل ليشمل باقي الطرق الصوفية، الغريب والمتطرف منها والمعتدل أيضًا. وبعد ذلك، وصل الأمر إلى قمته بالحديث عن الصوفية كمفهوم، وطقوس، ومعتقدات أيضًا.

والحقيقة أن المقال هنا ليس للانحياز لطرف على حساب طرف آخر، أو للتحقيق في تلك الواقعة، أو للنيل من أحد الأطراف أو اتهامه. ولكن أعتقد أنه الأجدى النظر إلى مفهوم الصوفية وممارساتهم في إطار مفهوم “تنقية التراث” و” تجديد الخطاب الديني”، وهما قضيتان مكملتان لبعضهما البعض، ويؤثران كثيرًا على حاضر ومستقبل الأمم.

بدايةً، فإن مرجعية الدين الإسلامي هي للكتاب والسنة المشرفة. وهذا الوصف، على بساطته، يحمل الكثير من الخلافات والاختلافات. فتفسير آيات القرآن ليست دائمًا واحدة، بدايةً من التعبير اللغوي وحتى المقصد والغاية. وهي أمور تختلف باختلاف الزمان والمكان والفهم اللغوي والنوايا الظاهرة والباطنة أحيانًا كثيرة.

الأمر أكثر صعوبة فيما يخص الأحاديث النبوية الشريفة، وهو أمر يحاول علم الحديث تنظيمه بأن يصنف الأحاديث إلى صحيحة وحسنة وضعيفة وموضوعة… إلخ، بناءً على المتن وعلى السند أو عليهما معًا، وذلك في إطار عام وطبقًا لقاعدة أساسية هي أن لا تخالف تلك الأحاديث القرآن الكريم. ثم تأتي الأحداث والمواقف التي تُروى عن الرسول الكريم وكيف تصرف في المواقف المختلفة، وهي أحداث لا يمكن الاعتداد بصحتها جميعًا أو رفضها جميعًا، ولكنها تخضع لقواعد أيضًا، ولكنها ليست بنفس درجة دقة علم الحديث.

يأتي بعد ذلك الفقه، ومعناه الفهم والإفتاء طبقًا لمقاصد الشريعة في أمور قد لا تكون مذكورة أو قد لا تكون قد حدث لها مثيل خلال حياة الرسول الكريم، وهي تعتمد على القياس والمقارنة واستفتاء القلب وخلافه.

ونظرًا لأن محددات الدين السابقة الإشارة إليها كثيرة ومتنوعة ومختلف على بعض جزئياتها، وهو ما قد يسبب الكثير من البلبلة والاختلاف، الذي أراه أحد مداخل الشيطان لإيقاع الفتنة وصرف الناس عن الأصول غرقًا في بحور الفروع المظلة. فإن الحديث الذي رواه أبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي حين قال: “قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: قل آمنت بالله، ثم استقم”، وهو حديث أساسي وجامع شامل لا تفاصيل فيه ولا لبس، حيث يمكن وضعه مع الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”.

أما ما هو زائد عن تلك المحددات، فإنه يصل بالإنسان أحيانًا إلى الكثير من الأحاديث الموضوعة والإسرائيليات وغيرها، وهو أمر يحدث كثيرًا ونتعرض له في كتب التراث حتى المحقق منها ببساطة، لأن التحقيق في زمن ندرة مصادر المعلومات، ومع اعتباره اجتهادًا محمودًا، إلا أنه ليس بقوة هذا العصر حيث مصادر المعلومات موجودة بسهولة وسرعة أيضًا.

حاليًا، عندما أبدأ في قراءة أحد تلك الكتب القديمة وأتعرض لقصة أو حديث، أقوم بالبحث عبر شبكة الإنترنت، فإن كان الحديث ضعيفًا أو موضوعًا ولم يُذكر ذلك في الكتاب الأصلي أو تم البناء عليه واستكمال المفاهيم، فإنني أترك الكتاب جانبًا، وذلك تجنبًا للغرق في أحد البحور المظلمة.

أما ما يتعلق بالكرامات والخوارق، فإنها موجودة وقد يتعرض كل منا لأحدها، ولكن هذا لا يجب أن يعطي أحدًا سطوة أو سلطة على باقي البشر، حيث قال الليث بن سعد: “إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة”.

أما الزهد والتصوف وغيرهما من أساليب العبادة والعيش، فإنهما يبقيان منقوصين إذا لم يصلا بالإنسان إلى حالة الرضا، وهي حالة لو تعلمون عظيمة.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى