كاتب ومقال

دار في خاطري| أتى رمضان.. من يجني الخير؟

ها هي شمس يوم التاسع والعشرون من شهر شعبان أوشكت على المغيب، وها هي الاستعدادات في بيتنا قد بدأت، فقمنا بتزيين البيت بالزينة والأنوار، ووضعنا الفوانيس وأشعلناها، ومن ثم التف الجميع حول التلفاز لسماع بيان استطلاع هلال شهر رمضان.

قامت اختي الصغرى برفع صوت التلفاز، وكذلك هو الحال في جميع البيوت المجاورة لنا، فتبدأ تلاوة القرآن الكريم فيخيم الصمت على المكان، فلا يسمع أي صوت غير القرآن يتردد في كل بيت.

وما إن أعلن المفتي البيان بأن غدا أول أيام شهر رمضان حتى تبدلت حالة الصمت وهلل الجميع وصفق كبارا وصغارا مبتهجين بحلول الشهر الفضيل.

وبعد أن هدأ الضجيج قليلا سمعنا صوت طرقات على الباب كأنها عزف لمقطوعة موسيقية، فركضنا أنا وأخواتي نحو الباب، فهذه الطرقات نعلمها جيدا، إنه جدي.

كنت أنا أول من وصل إلى الباب ففتحت، رأيت جدي يقف ممسكا بيديه أربعة فوانيس مضيئة وراح يغني أهلا رمضان، فرحنا نغني معه حتى دخل وجلس على الأريكة، ثم أهدانا الفوانيس وهنأنا بقدوم شهر رمضان.

سألته اختي عن جدتي ولماذا لم تأتي معه فقال: إن لديها بعض الأعمال الهامة استعدادا لإفطار أول أيام رمضان، إن جميع أفراد العائلة مدعوون في بيتنا القديم في قريتنا الجميلة، سوف أقضي شهر رمضان فيه هذا العام.

سألت أمي عن السبب فقال: لقد ربحت هذا العام ربحا لم يسبق له مثيل من بيع محاصيل الأرض، ولهذا فقد نويت دعوة أهل القرية جميعهم للإفطار على مدار الثلاثة أيام الأوائل من شهر رمضان، وكذلك جميع أفراد عائلتي ولن أقبل الأعذار.

وبعد ذلك ذهبنا لصلاة العشاء والتراويح في المسجد المجاور، وبعدها ذهبت أنا وأخواتي لشراء الفول والزبادي وكل ما يلزم السحور، طلب منا جدي أن ننام لبعض الوقت قبل السحور، لأن غدا في انتظارنا أعمال كثيرة.

وفي صباح أول أيام شهر رمضان اجتمعنا جميعنا في بيت جدي في القرية، كانت جدتي في انتظارنا، وجدنا الكثير من أصناف الطعام التي بحاجة إلى إعداد من قبل جميع من بالبيت حتى ننتهي قبل المغرب.

طلب جدي مني أن أذهب برفقة جميع الأطفال إلى أهل القرية لدعوتهم على الإفطار، وبالفعل ذهبنا إليهم ودعوناهم، وما من بيت طرقنا بابه إلا أهدانا أهله شيئا بمناسبة رمضان، كبعض تمرات، أو فانوس صغير، أو بعض الزبيب وهكذا، قبيل المغرب جلس جدي يتلو القرآن فجلسنا بجواره نستمع إليه ونردد خلفه حتى نادى المنادي الله أكبر.

اجتمع جميع أهل القرية بعد أداء صلاة المغرب لتناول الإفطار، فقد كان عددهم كبيرا، فهمست في أذن جدي قائلة: لابد أنك خسرت مكسبك من المحاصيل في ذلك الإفطار يا جدي، فقال جدي: لا! لا تقولي هكذا يا ابنتي، لأنني أتاجر تجارة لن تبور أبدا، إنها التجارة مع الله.

وأثناء تناول الإفطار قال أحد المدعوين أنه يدعو أهل القرية لتناول الإفطار عنده يوم الجمعة المقبلة، وقال آخر: وأنا أدعوكم في الجمعة التي تليها، وقال آخر: أما أنا فأدعوكم آخر يوم في رمضان، فرأيت الخير مازال بين الناس، وفهمت كيف يتنافس فيه المتنافسون.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى