كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| الصبي المتعاجز

تعبير “العجوز المتصابى” من التعبيرات المشهورة التي تُطلق على كبير السن الذي يرتدي ملابس لا تناسب سنه ويتصرف كمراهق. هذا النموذج معروف وموجود، ونراه كثيرًا في الحياة العامة، ونقوم بإطلاق النكات عليه، وأيضًا التعليقات الساخرة على تصرفاته التي قد يكون سببها خلل نفسي أدى إلى هذه المراهقة المتأخرة. كان هذا في عصر ما قبل ظهور تعبير “شوجر دادي” الذي يعطي أملًا للكبار بأنهم ما يزالون مرغوبين ومقبولين على ما هم فيه من كبر في السن.

النموذج الجديد هو عكس النموذج السابق تمامًا، حيث تجد صبيًا صغيرًا أو شابًا في مقتبل العمر يحاول أن يبدو بمظهر ومخبر الكبار. فيحاول ارتداء ملابس تناسب الكبار، ويقوم باختيار ألوان تناسبهم أيضًا، ويمتد ذلك إلى باقي الإكسسوارات الأساسية كساعة اليد والنظارة. ولا يكتفي بما يرتدي وحسب، بل يتخطى ذلك إلى أسلوب الحديث، وضحكته، وطريقة مشيته، واختيار المقعر من الكلمات والتعبيرات في محاولة لإضفاء هالة من الحكمة وإيحاء بالعمق.

هؤلاء الصبية المتعاجزين نراهم حولنا في كل مكان، في الشوارع، وفي أماكن العمل، وعلى شاشات التلفاز، ومنصات التواصل الاجتماعي، وأي نافذة تسمح لصاحبها بأن يطل على الآخرين. والحقيقة أن هذا النموذج فاشل بجدارة بنفس درجة فشل العجوز المتصابى؛ فلا يمكن تقديم الزمن أو تسريعه، ولا يمكن الرجوع فيه، ولا يجب أن يحاول الناس فعل ذلك. من علامات الصحة النفسية أن تعيش سنك بكل مميزاته وعيوبه في الوقت المناسب، ولا تعتقد أنه يوجد سن بلا متع أو جمال. ولا مانع بالطبع من القليل من هذا وذاك، فلا مانع من أن يكون الصبي وقورًا وأن يكون العجوز ضاحكًا مقبلًا على الحياة، لكن تكمن المشكلة في التقمص التام والكامل لسن غير السن الحقيقي.

والمقولة التي تؤكد أن لكل سن بهجته وطرق الاستمتاع به هي مقولة صحيحة تمامًا، شريطة أن يتمتع الشخص بالسلام والاستقرار النفسي الذي يسمح له بتقبل الواقع والبحث عن مزايا السن الذي يعيش فيه، وألا يحاول تحريك السنوات إلى الأمام أو إلى الخلف، على الأقل لتجنب استهزاء الآخرين وسخريتهم من تلك الممارسات.

أقول هذا في زمن انتشرت فيه عمليات التجميل التي، وإن نجحت في إخفاء تجاعيد الوجه، إلا أنها حتمًا لن تستطيع إخفاء تجاعيد الروح.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى