كاتب ومقال

رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| حين تتحول الكنوز إلى رمال.. السياحة فى مصر بين الواقع والمأمول

فى بلد مثل مصر السياحة ليست قطاعا اقتصاديا فحسب بل كنز استراتيجى غارق فى الرمال ، لا نفتحه ولا نُحسن التنقيب عنه. نمتلك كل المقومات التى جعلت من دول لا تملك عُشر ما لدينا أيقونات على خارطة السياحة العالمية ثم نترك كنوزنا للزمن ونكتفى بالشكوى من نقص الموارد.

فى زمن تتغير فيه قواعد الاقتصاد لم تعد الثروات محصورة فى النفط أو الغاز أو المعادن. بل صار العقل الإنسانى والموقع الجغرافى والمنتج الثقافى والمقصد السياحى مصادر أساسية لبناء الدخل القومى. والسياحة ـ إذا أُحسن إدارتها ـ تُصبح بئرا لا تنضب ودورة اقتصادية كاملة تبدأ من العامل البسيط وتنتهى عند البنك المركزى.

كل سائح يدخل بلدا مثل مصر هو وحدة اقتصادية كاملة. هو مستهلك ومصدر دخل وفرصة عمل ورسالة دعائية تمشى على قدمين. كل دولار يدفعه سائح هنا يمر عبر أيادى العشرات: من العامل الذى نقل حقائبه إلى السائق الذى أقلّه إلى صاحب النُزل، إلى البائع فى السوق، حتى يصل إلى البنك فى صورة عملة صعبة. فما بالنا ونحن نتحدث عن عشرات الملايين من السائحين المحتملين سنويا؟

لكن الحقيقة المُرة أننا لا نُدير هذا الملف بعقلية اقتصادية حديثة. لا تزال البنية التحتية السياحية عندنا تسبق البنية العقلية. نبنى فنادق 5 نجوم بينما الخدمة أحيانا لا تستحق نجمتين. نُخصص مليارات فى ميزانية الترويج ، بينما نُهمِل أهم عنصر فى المنظومة: “الإنسان”. السائح لا يعود لأنه وجد حجارة بل لأنه وجد بشرا جعلوا تجربته لا تُنسى.

الدول التى سبقتنا فى هذا المضمار لم تمتلك الأهرامات ولا أبوالهول ولا معابد الكرنك. لكنها امتلكت قرارا بأن تكون السياحة أولوية وطنية ، فبنَت سياسات ، ودرّبت كوادر وغيرت الصورة الذهنية. نحن بحاجة ماسة لهذا التحول: من سياحة قائمة على الصدفة والموسمية إلى صناعة منتظمة تُدار بعقلية استثمارية.

وللسياحة بعدٌ آخر غالبا ما نغفله: البعد الأمنى والاستراتيجى. فهى تُعيد دمج مصر فى حركة السياق العالمى وتُقرِب الشعوب من ثقافتنا وتُغيّر الصور النمطية عنا. كل تجربة سياحية ناجحة هى دفاع ناعم عن الدولة ورسالة غير مباشرة بأن مصر بلدٌ آمن وجاذب.

المعادلة واضحة: السياحة مورد ناعم لكنه عميق نحتاج أن نعيد صياغته وفقا لأولويات المرحلة. لا نريد شعارات بل سياسات. لا نحتاج إلى حملات دعائية مبهرة بقدر ما نحتاج إلى تجربة سياحية حقيقية يشعر بها الزائر ثم ينقلها دون أن نطلب منه.

السياحة فى مصر ليست فرصة بل قدر. قدرٌ يحتاج عقلا يُفكر، وعينًا ترى، وقرارًا لا يتأخر.

بقلم:
شحاتة زكريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى