كلمة ورد غطاها| 30 سنة راجعين

فوجئت أثناء التصفح اليومي غير الهادف وغير الموجه لبعض منصات التواصل الاجتماعي بأغنية “راجعين” للفنان عمرو دياب، من كلمات الدكتور مدحت العدل، وتلحين الموسيقار الراحل رياض الهمشري، وتوزيع الرائع طارق مدكور.
والمفاجأة لم تكن في الأغنية أو تصويرها أو جمال كلماتها ولحنها وتوزيعها، أو في صوت الفنان عمرو دياب الذي أصبح أحد أيقونات الفن المصري خلال الأربعين عامًا الماضية ولسنوات كثيرة قادمة أيضًا، ولكن المفاجأة أن الأغنية صدرت عام 1995، أي قبل ثلاثين عامًا بالتمام والكمال.
يا الله… كيف مرت كل تلك السنوات؟
سؤال لا أجد له إجابة، ولا أظن أن أيًا من أبناء جيلي يملك إجابة أو تفسيرًا أكثر من القول: “هي الدنيا كده”.
وللتدليل على ذلك، عدت إلى تصوير الأغنية، فوجدت بها نجومًا راحلين، منهم المطرب طلعت زكريا، والفنان حسين الإمام، والفنان علاء ولي الدين، والدكتور عزت أبو عوف، حيث تبدأ الأغنية بربيع عام 1995، ثم تنتقل سريعًا إلى خريف 1942 بفارق زمني 53 عامًا، فيظهر عمرو دياب ملونًا بينما الجميع بالأبيض والأسود، فيُفاجئهم وهم يعزفون ويستمعون ويرقصون على أنغام موسيقى قديمة بموسيقاه المتطورة الحديثة، قبل أن تنطلق الأغنية إلى نهايتها بين استمتاعهم واندماجهم معها ومع المطرب.
هذا البُعد الزمني أثار لدي مقارنة بين الوضع التقني عام 1995 والوضع الحالي؛ ففي عام 1995 كانت شبكة الإنترنت قد بدأت في الانتشار في مصر على نطاق محدود، في الجهات البحثية والحكومية وبعض الشركات والمؤسسات الكبرى، ولم تكن قد وصلت إلى المنازل أو الاستخدام الشخصي بعد.
كما أن الهواتف الذكية لم تكن قد ظهرت أيضًا، فالبداية كانت في نوفمبر 1996. حتى الحواسب الشخصية كانت كبيرة الحجم، وضيقة الانتشار، ومحدودة في السعة والقدرات الحسابية.
سرعات شبكة الإنترنت كانت محدودة أيضًا، وكذلك التطبيقات؛ فالموقع الرسمي للبيت الأبيض تم إطلاقه منذ أقل من عام، وموقع شبكة CNN أُطلق في أغسطس 1995، كما لم يكن هناك وسيلة للتراسل إلا البريد الإلكتروني، مع بدايات بعض برامج الدردشة مثل MIRC.
حتى المواقع الإلكترونية كانت محدودة في الإمكانيات والمحتوى، ولم تكن الكثير من المؤسسات قد أوجدت لنفسها مساحة في هذا الفضاء السيبراني، ولم يكن مفهوم الأمن السيبراني أو الاختراقات السيبرانية قد ظهر بعد، حيث كان أقصى ما يمكن أن يحدث للأنظمة والملفات هو الإصابة بفيروس بسيط أو خطير، فلم تكن أساليب نقل الملفات وتخزينها قد تطورت بعد.
فعلى سبيل المثال، لم تكن الـ USB Flash قد ظهرت بعد، ولم تكن القوانين والتشريعات قد سُنّت أيضًا لتنظيم هذا العالم، الذي كان في بدايته، والتي اتسمت بالبساطة… والفوضى أيضًا.
الوضع بعد كل تلك السنوات أصبح مرعبًا.
الشبكات والأجهزة تحيط بنا من كل اتجاه، وجميعها تصدر كميات مهولة من البيانات، وأصبح الهاتف ذكيًا، والحاسب متطورًا، والأخبار والمعلومات والمعارف مرقمنة وبصور مختلفة.
كما ظهرت أنماط جديدة للعمل عن بُعد، وللتجارة الإلكترونية، ثم انتقلنا إلى عصر الذكاء الاصطناعي، ووصل عدد مستخدمي تلك الشبكة إلى 5.5 مليار إنسان.
لذلك، فإن التطور الحادث خلال تلك العقود الثلاثة أكبر بكثير من ذلك الذي أظهره الكليب المصوّر آنذاك، ولكن، وبالرغم من هذا التطور الكبير، تظل الأغنية صالحة من حيث الكلمات واللحن والغناء والأداء:
“وتعالى، تعالى، تعالى يا حبيب العمر تعالى.. كل اللي أنا عشته في بعدك من عمري ده مش محسوب”