منذ طفولتنا اعتدنا على عدم التعبير عن المشاعر، تحت مسمى كلمة “عيب“، فالولد لا يمكنه البكاء أو الشعور بالحزن لأن ذلك الأمر قد يقلل من شأنه، وكذلك الفتاة فقد وضعها المجتمع في هالة من العادات والتقاليد تعد من المحظورات.
إن عدم التعبير عن المشاعر، قد يجعل الطفل غير سوي يعاني من اضطرابات نفسية قاسية، في مراحل حياته المختلفة وصولًا إلى مرحلة الزواج والإنجاب، مما سيؤثر كذلك على أطفاله، فهو عصبي غير صبور يجهل كيفية التعامل معهم.
في السطور التالية تقدم لك منصة “كلمتنا” الأسباب التي تكمن وراء عدم تعبير الطفل عن مشاعره وكيفية إصلاح ذلك الأمر.
تعبير الطفل عن مشاعره:
تفتقد المجتمعات العربية ثقافة تربية الطفل السوية، ربما لأن الأمر متوارث من أجيال طويلة، أو لاعتقادهم الخاطيء أحيانًا أن تلك هي التربية السليمة، الأمر الذي يجعل الأطفال تجهل كيفية التعبير عن مشاعرها، وهو ما يرافق الطفل حتى الزواج، ومن هنا تزداد نسب الطلاق.
ولكن ما السر وراء تلك الأزمة الكارثية في المجتمعات العربية؟
أجابت د.سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس لمنصة “كلمتنا” قائلة: “أن الأمر يكمن منذ البداية في طبيعة العلاقة التي تربط بين الوالدين، فانعدام المشاركة والشعور بالمسؤولية بالإضافة إلى ضغوط الحياة القاسية، هي الأسباب وراء جهل كيفية تربية الطفل والتعامل معه، ومن ثم عدم الاهتمام بالجانب الإنساني له، أي إهمال تعلم الصغير كيفية التعبير عن مشاعره، الأمر الذي يولد طفل عصبي غير صبور، وغير سوي، بسبب انعدام الوعي، وعدم وجود الثقافة السليمة حول كيفية تربية الصغير“.
وأضافت: “منذ البداية يتحتم على الوالدين، إدراك أهمية تلك الفترة وأن السنوات الأولى من حياة الطفل هي التي ستؤثر في مستقبله بالكامل، فالقراءة والبحث عن فترة الحمل وتكوين الصغير واحتياجاته أمر لابد من حدوثه بشكل دائم، فإذا كنت على دراية كاملة بكل ما يخص الطفل وتلك الفترة الانتقالية بالإضافة إلى كيفية التعامل مع الصغير، سيتطرق الأمر إلى المشاعر، وإدراك الطفل ما تعنيه تلك الكلمة، الأمر الذي سيؤثر بدوره إيجابيًا على نشأة الطفل ومستقبله، ومن ثم حياة الوالدين التي ستصبح أكثر راحة“.
كما روت د.سامية لمنصة كلمتنا: “بسبب ضغوط الحياة في المجتمعات العربية وانشغال الأب والأم في الحياة العملية، قد يصبح فكرة الاهتمام بالطفل أمر صعب وشاق، فقد تواجه بعض العائلات أزمة عدم التوازن بين البيت والعمل، وهو الأمر الذي سيؤثر على الطفل دون شك، لذا من الضروري وجود أسلوب حياة منظم يساعد الأسرة على الاستعداد نفسيًا أولًا لتلك الفكرة قبل الخوض فيها، كما أن التسرع في تلك الأمور الفارقة قد يسبب مشكلات لا حصر لها، فعقب الزواج بمدة قصيرة يسعى الوالدين إلى إنجاب أطفال، دون وجود مهلة كافية تتمثل في سنة أو سنتين، من أجل الاعتياد على الحياة الزوجية، وإذا وصلا إلى قرار الإنجاب، من الأفضل أن يكون الفارق بين الطفل والآخر سنتين كحد أدنى، فالإنجاب بكثرة وبسرعة شديدة دون وجود فترة كافية للتأقلم على الوضع وتعلم كيفية تربية الطفل والتعامل معه، يحدث بسبب انعدام الوعي والثقافة والإدراك قبل أي شيء“.
ومن ناحية أخرى قالت د.سامية خضر: “ ليتعلم الطفل كيفية التعبير عن مشاعره، يمكنه اللجوء إلى الألعاب والمكعبات، بالإضافة إلى الرسم الذي يمكنه أن يساعد طفلك كثيرًا، كما أن عليك قراءة قصة لصغيرك ثم اترك له العنان يعبر عما أدركه، فهذا الأمر هو غاية في الأهمية سيساعد الطفل في التعبير عن مشاعره“.
اقرأ أيضًا: يختبيء صغيرك من العالم الخارجي؟.. إليكِ كيفية تعزيز ثقة الطفل بنفسه
المشاعر هي السبيل نحو الإنسانية:
إدراك الطفل لما تعنيه كلمة “المشاعر” هو أمر سيؤثر على حياته النفسية بشكل جذري، وهو ما سيجعله يشعر بالآخرين، يدرك معنى السعادة والحزن والألم ومعنى الإنسانية، يضع نفسه مكان الآخر ويكون قادر على التفهم والاحتواء وتقديم الحب والدعم للعائلة والأصدقاء.
كما أن تعبير الطفل عن مشاعره سيؤثر بدوره على مستقبله، وصولًا إلى مرحلة إنجاب الأطفال، فستدرك قلوبهم معنى الإنسانية والعطاء، فالإنسان السوي هو المدرك جيدًا للمشاعر وقادر على التعبير عنها دون كبت ودون اضطرابات نفسية.
اقرأ أيضًا: هل اكتئاب ما بعد الولادة يصيب الآباء؟!
فلا مانع من إعطاء كل شيء حقه، فعليك تعليم طفلك أن بإمكانه أن يحزن كيفما شاء، فيمكنه البكاء أو الصمت وكذلك التعبير بالطريقة التي تناسبه، وليست الهالة التي يضعه فيها المجتمع، وتلك الكلمة العقيمة التي تتلخص في أن “الرجل لا يبكي“، والمرأة عليها التزام الصمت دائمًا.
فهذا الأمر ما هو إلا عادات وتقاليد، جعلت الأطفال مشوهين نفسيًا، تتيقن أنه لا قيمة لمشاعرها على الإطلاق، لأنها لا تقدر ولا يتفهمها أحدًا، كما أن على الطفل التعبير عن سعادته بطريقة تناسبه، لطالما لا تتناقض مع القيم الأخلاقية، عليك أيضًا أن تزرع في طفلك فكرة أن الألم يا صغيري تتناقص حدته بالمشاركة وليس بالصمت والاختباء، فالحياة تعني المشاركة دائمًا.
اقرأ أيضًا: هل يمتلك طفلك صديقًا خياليًا؟.. انصت إليه وتصرف بعناية
كيف تساعد طفلك في التعبير عن مشاعره؟
تعلم الطفل كيفية التعبير عن مشاعره هي خطوة إيجابية نحو تغيير سلوكيات الطفل التي قد يراها البعض عدوانية بعض الشيء، ويعود ذلك إلى أن الصغير يشعر بكبت المشاعر، الأمر الذي قد يولد طفل عصبي متوتر واندفاعي، غير صبور وغير هاديء على الإطلاق.
إذًا فالأمر لا يقتصر على المشاعر فقط وإنما أيضًا على سلوك الطفل، لذا يمكنك البدء بالتعبير عن مشاعرك له، من أجل أن يتفهم تلك الكلمة وما تعنيه هذه الحروف، كما يمكنك سؤاله عما يشعر، وهل تعتقد يا صغيري أن صديقك حزين أم سعيد؟ وأيضًا إذا كان الطفل يركض فرحًا بسبب شيء ما، يمكنك سؤاله هل أنت سعيد؟ تلك الأشياء البسيطة تساعد الطفل في التعبير عن مشاعره وفهم كل شعور على حدة.
اقرأ أيضًا: إذا كنتِ “أم لأول مرة”.. 5 نصائح للتعامل مع طفلك
كما عليك أن تمنح الطفل وقت كافٍ للتعبير عما يحمله قلبه، أنصت له جيدًا، وناقشه في الأمر الذي يزعجه مهما كان يبدو لك بلا قيمة، فعندما يشعر الطفل أنك مهتم لأمره وتقدر مشاعره، يطمئن للحديث معك دون أدنى شك، وهو ما سيدفعه دومًا للتعبير عن مشاعره براحة أكبر.
من ناحية أخرى يمكنك الاستعانة ببعض الألعاب من أجل تعزيز مشاعر طفلك، فعلى سبيل المثال استعن بصور معينة تعبر عن حالات مزاجية مختلفة وأجعل الطفل يخبرك ما هو هذا الشعور، كما يمكنك فعل العكس من خلال ذكر اسم شعور ما واطلب منه يمثله بالوجه، وشاركه تلك اللعبة وأضفي عليها بعض المرح حتى يتعلق بها الطفل ولا يشعر بالنفور منها.
كما أن الرسم من المهارات التي ستساعد الطفل على التعبير عن مشاعره بشكل سليم، ويمكنك أيضًا مشاركته تلك اللحظات، كما عليك أن تمنح له فرصة التعبير عما رسمته أنامله وشجعه على ذلك، وأبدي إعجابك برسمه مع بعض الملاحظات المرحة التي تجعل الطفل يتقبل حديثك.
اقرأ أيضًا: كيف تتعامل مع طفل ال ADHD؟