أحمد سليمان
أخذ الموظف الحكومي عبد المجيد محمد عبد المجيد يقلب صفحات الجريدة وهو يرتشف قهوته صباحاً كالعادة في المصلحة الحكومية التي تم تعيينه فيها منذ اثنتين وثلاثين عاماً، وقد اعتاد أن يستهلك وقته في تصفح الجرائد قبل أن ينتقل إلى حل الكلمات المتقاطعة.
كانت من عادات عبد المجيد أن يتصفح صفحة الوفيات ليترحم على من سبقونا إلى العالم الآخر، ولكن في ذلك اليوم لم يكن تصفحه تقليدياً، فقد وقعت عينه على صورة حاول أن يزيل التراب من على ذاكرته ليتذكر صاحبتها.
بعد جهد وعناء تذكر عبد المجيد صاحبة الصورة التي لم يكن يذكر اسمها بالكامل إلا بعد قراءته في النعي فهي ليلى الفتاة التي تقدم لخطبتها بشكل تقليدي منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولكنه رغم ذلك كان قد تعلق بها تعلقاً شديداً خلال مرتين أو ثلاث شاهدها فيها.
لم يكن لعبد المجيد أية تجارب في حياته العاطفية خلال فترة الشباب بسبب نشأته الصارمة وبالتالي لم يكن مستغرباً أن يتعلق بأول فتاة يرشحها أهله له من أجل الزواج بها فهي “معرفة” أحد أقاربهم.
تذكر عبد المجيد موافقته الفورية على الزواج من ليلى فور رؤيتها خلال أول زيارة بين الأسرتين وتمت قراءة الفاتحة ولكن شيء ما حدث بين العائلين منع إتمام الزواج.
لم يكن الرجل الذي شارف على الشيخوخة يتذكر سبباً قوياً لإنهاء العلاقة لكنه تعود دائماً على الانصياع التام، فهو الذي قام بتنفيذ رغبة أهله في الالتحاق بالقسم العلمي في الثانوية العامة لكنه لم يوفق في الالتحاق بالكليات العلمية واكتفى بكلية التجارة، وكذلك رفض أهله بعض العروض من زملائه من الماضي ليدخل معهم عبد المجيد في مشروع خاص يدر عليه دخلاً وفيراً وفضلوا اختيار الوظيفة الحكومية له.
لم يكن إنهاء علاقة عبد المجيد بليلى مجرد حدث طارئ فرض فيه أهله الرأي عليه، لكنه كان سلسلة من الأحداث في حياته التي فضل فيها دائماً أن يلعب دور المشاهد، لم يكن ليرفض أو حتى يقاوم، لم يكن ليجرب التفكير في رفض أي قرار يخص مستقبله، حتى الفتاة التي تعلق بها تم إنهاء الارتباط بينهما فجأة بعدما أخبره أهله صبيحة أحد الأيام أن أباه أنهى العلاقة تليفونياً بسبب خلافات حول إتمام الزيجة!!
رغم أنه خبر صغير لا يتعدى السطور المعدودة إلا أنه لم يبق عبد المجيد على حاله وظل يقلب في دفاتره القديمة ويتساءل عن إضاعته لعمره..هل ضيع والداه أجمل سنين حياته بفرض قرارات خاطئة عليه.. أم أنه في الأساس لم يفكر في رفض أي قرار منهما تجاهه..
طوى عبد المجيد صفحة الجريدة مترحماً على ليلى وعلى أبويه وعلى أيام عمره التي شارفت على الانتهاء.
نبذة عن الكاتب
أحمد سليمان
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة
صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”
للتواصل :