كاتب ومقال

دار في خاطري| الجرح الدامي (الجزء الثالث)

جلست رانيا أمام المقدم وقد كانت شاحبة الوجه، يبدو عليها الحزن والألم، قال المقدم مباغتا: هل هذه تخصك، ووضع أمامها علبة بلاستيكية خضراء صغيرة، فاتسعت حدقتها وزاد شحوب وجهها وقالت: أجل! إنها لي، ولكن أين وجدتها؟! قال: لقد كانت ملقاة في سلة المهملات في الغرفة التي قتل فيها هادي، ولقد وجد بها أثارا للسم، فصاحت قائلة: لا! من المستحيل أن أقتل هادي، أنا … مستحيل .. أقتل … من؟! … هادي؟!! فقال المقدم بحزم: إن السم وجد بداخل كوب دنيا، أي أن القاتل لم يكن يعلم أن كوب هادي سوف ينسكب وتعطيه زوجته كوبها، انهمرت رانيا في البكاء وهي تقول: لم أفكر في قتلها أبدا.

ترك المقدم رانيا لتهدأ بعض الوقت ثم عاد لاستجوابها من جديد، فقال: هل أنت على ما يرام الآن؟ فقالت: أجل! ثم أردفت: إن هذه العلبة دائما أضعها في حقيبتي، فإنني أضع بداخلها بلورات السكر، ودائما تسقط من حقيبتي، لذا فكل من يعرفني يعلم أنها لي، ولكني فقدتها منذ ثلاثة أشهر ولم أجدها حتى رأيتها الآن، قال: إن العلبة لا يوجد عليها أي بصمة سوى بصماتك، فقالت: في اليوم الذي سبق ضياعها كنت قد نظفتها ووضعت بداخلها بلورات سكر جديدة ووضعتها في الحقيبة، ولم يمسكها أحد غير حتى ضاعت، ويوم ضياعها هو يوم أقام فيه هادي حفلا غنائيا في الساحل الشمالي، لا أعلم متى وأين سقطت من الحقيبة، ولكن عندما كنت في طريق العودة بحثت عنها في الحقيبة ولم أجدها.

قال: هل حدث وأن تشاجرت أنت ودنيا من قبل؟ قالت: حدث ذلك في نفس الحفل الذي ذكرته، لقد كان سبب الشجار استيائها من وجودي، فقد قالت: ألا يوجد في جريدتكم صحفية أفضل منك ليرسلها لنا رئيس التحرير، وعندما سألتها عن سبب رفضها لوجودي أجابت أنني أتدخل فيما لا يعنيني بأسئلتي، وهنا تدخل هادي قائلا: لا على العكس، إن أسئلة رانيا تعجبني كثيرا، فهي تختلف عن غيرها ليس في أسئلتها فقط، بل في كل شيء، وبعدها افتعلت مشاجرة بينها وبيني ثم قالت لي: لا أريد رؤيتك ثانية في أي مكان لا مصادفة، ولا عن قصد، قال: ولكنك ذهبت إلى حفل رأس السنة، قالت: إن هذا عملي الذي أكلف به قبل أي شيء، ثم أنني أعلم أن ما قالته كان نابعا من الغيرة، قال: أتعتقدين من بمصلحته اتهامك بالجريمة؟ إن كنت حقا بريئة قالت: لا أحد فالجميع يعلم أنني من المستحيل أن أقتل، قال: إذن أنت لا تتهمين أحدا بسرقة العلبة لتحوم حولك الشبهات، قالت: أعلم أن دليل براءتي ضعيف ولكن صدقني إنني أقول الحقيقة.

تم احتجاز رانيا إلى أن تثبت براءتها أو إلى أن تظهر أدلة جديدة على إدانتها، وفي اليوم التالي ذهب المقدم إلى بيت هادي لمقابلة زوجته، واستكمال الاستجواب.

رحبت دنيا بالمقدم وكانت لا تزال متعبة، قال المقدم: لقد دعوت نادر للحضور فهناك أمر ما يخصه، ولكن قبل أن يصل أخبريني: من يعيش هنا بالبيت؟ قالت: أنا وهادي، ونيللي، هذه الفتاة التي تساعدني في أعمال البيت، قال: ونادر لا يأتي للمبيت هنا؟ قالت: لا! إنه يعيش في البيت الذي ورثه عن والده، إنه شاب متهور لا يعرف أن لديه عم إلا حين يحتاج إلى المال، قال: وهل كان يعطيه عمه ما يحتاج من مال؟ قالت: كان يعطيه بعد إلحاح مني، فأنا أرفض معاملته بقسوة … قطعت نيللي حديثهما لتخبر صاحبة البيت عن قدوم شخص ما، فقالت دنيا: إنه نادر دعيه يتفضل، فقالت نيللي بصوت منخفض: لا إنه الطبيب، فقالت دنيا بصوت خافت: أطلبي منه أن يأتي في وقت لاحق، فقال المقدم: استقبلي ضيفك يا سيدتي، فنظرت إليه نظرة ذات مغزى وقالت: إنه الطبيب أراد الإطمئنان علي.

تلى ذلك ببضع دقائق وصول نادر إلى البيت، قال المقدم: إن هادي قد ترك وصية تفيد بأن لنادر نصف ثروته، هل تعلمين بذلك سيدتي؟ قالت: أجل! فقد أخبرني قبل أن يطلب من المحامي كتابتها، فصاح نادر: لا! ليس صحيحا، إن عمي من المستحيل أن يكتب لي شيئا من ثروته، إنه فخ، وراح يكررها وهو يركض مغادرا البيت كالمجنون، قال المقدم وهو يقف قرب النافذة ينظر إلى نادر: إن مقتل عمه قد أصابه بصدمة كبيرة، فقالت دنيا: لا! إنني لا أظن ذلك، وقع نظر المقدم على دفتر على المنضدة بجواره كتب عليه “يومياتي” فسأل دنيا: هل كان هادي يكتب مذكراته؟ فقالت: أجل! وإنني لا أحب أن يطلق عليها اسم مذكراته، فقال: هل تسمحين لي بقراءتها؟ فقالت: تفضل، ولكني لا أريد وصول أمرها للإعلام، قال: اطمئني، أخبريني هل كنت أنت وهادي تنويان السفر خلال هذه الأيام؟ لقد سمعت نيللي تقول: لن أحصل على إجازة مادام السفر قد ألغي، قالت دنيا: لقد اعتدنا قضاء العشرة أيام الأوائل من كل عام في الأقصر، ولقد ألغيت الحجز اليوم، قال من غيرك يعلم بأمر الوصية؟ قالت: نادر!!

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى