“ارجع يا زمان..حن يا ماضي” تعرف على أيام وهدايا زمان
كانت هدايا المصيف ذات طابع خاص، بالرغم من بساطتها، وتوفرها في باقي المحافظات بكثرة إلا أن كان ولازال لهدايا المصيف ذكريات خاص ورائحة أخرى، ومهما كبر الإنسان يبقي الحنين لكل ماهو قديم.
تروي أمي عن تفاصيل المصيف البسيطة لديهم، كانت العائلة تتجمع في كل مصيف، وكوتشينة وبطيخ ومسقعة وراكيت، هكذا كانت تبدأ رحلتنا وأيامنا، وقد كان والدي معقد إلى حد ما، فلم يسبق أن سافر مع أسرته لذلك كان كل شى بالنسبة له جديد وغريب ومميز.
المنديل أبو ترتر:
تتابع والدتي في تنهيدة الماضي وما فيه من حكايات عن أجمل الذكريات ووداع تلك اللحظات، وهجرها مع الأيام ومشاغل الدنيا، ولكن كان ما يميز المصيف عن حق هداياه التي كانت تأتي لنا “بالطلب” ولأن الناس كانت بسيطة بمطالبها بسيطة، لم يشتكي أحد قط من قلة جودة الهدايا بل كانت مرضية إلى حد كبير.
تفاجئت عندما علمت منها أن ” المنديل أبو ترتر” كان مطلب جماهيري، كانت والدتي تشتريه لنفسها في أول يوم من المصيف، لتقضي به أغلب الأوقات، وقبل العودة بيوم، تشتري أكثر من منديل، كما كانت ألوانهم جذابة ورائعة.
“كنت أجمد واحدة الساعة الواحدة” في ضحك واستهزاء، وصفت أمي نفسها هكذا، طفلة لم تتعدى الخمس سنوات تعقد منديل الشعر أبو ترتر على رأسها، وتتمتختر على شط العجمي، ولا تختار إلا الألوان الفاقعة، الأحمر والأصفر والأخضر الفسفوري، كانت ألوان أمي، وقد اجزم بيني وبين نفسي أن لا أحد كان يقتني مثل هذه الألوان سواها، أمي وأدرك تفكيرها وعقلها إلى أي مدى يوحي لها.
في الحقيقة أن أمي فعلا كانت جميلة للغاية حتى في طفولتها، والمنديل أبو ترتر “كما اسمته أمي” كان مغري بحق.
النظارة الشمسية:
فحصت أمي صورها جيدًا، فتذكرت النظارة الشمسية الشقية، التي اعتقدت ذات مرة أنها أعجبت إحدى شباب شط العجمي الروش” على حد وصفها” كانت النظارة” واكلة نص وجهها” أقرب تعبير حرفيًا في وصف نظارة أمي.
كانت النظارة ليست كأي نظارة شمسية، في نظر أمي هي مختلفة وجذابة ومن ” ريحة مصيف العجمي” وإن كانت الحقيقة أنها تباع على أرصفة شوارع القاهرة ولا يوجد بها ما هو مميز نهائيًا، ولكن نعود للحقيقة المقدسة كل شئ من المصيف يختلف.
أما عن مواصفات النظارة الشمسية الخطيرة، كانت كبيرة جداً ولا أعلم كم جدًا يجب أن اقولها لأصف لكم حجمها، وبألوان غريبة كالبمبي ” يشبه تمامًا بمبي السيدة سعاد حسني عندما غنت الحياة بقي لونها بمبي….” أو أخضر، أزرق، أصفر، بنفسجي، هي ألوان ليست غريبة عن المسمع، إنما وضعها في زجاج النظارة كان هو الغريب فعلاً.
تقف أمي على الشاطئ ويدها على خصرها، والأخرى تمسك بها النظارة في محاولة للحفاظ على “برستيجها” ويظهر في الصورة شباب يضحكون عليها، أكاد أرى واستمع للمشي أمام عيني.
الأوبآب:
“نمشي نطرقع” هكذا وصفته أمي ساخرة من نفسها، كان لابد من أساسيات هدايا المصيف أن تشتري الأوبأب، صندل من الخشب بسيط جدًا جدًا يصيب أحيانًا القدم بالإلتهاب نتيجة احتكاك القدم بها في الصيف والحر والعرق، ولكن مع ذلك كانت تعشقه أمي، وكغيرها من الأطفال، كانت تشتري اثنان أو ثلاثة ولو اتاحت الفرصة لها وسمحت جدتي لها لكانت ارتدت أمي الأوبأب واعتبرته ااحذاء الرسمي لها واستغنت عن الجلد تمامًا.
شرايط الكوكتيل:
في الخلفية تذكر علي حميدة وهو يقول”لولاكي ..لولا.. لولا.. ما حبيت” ودويتو هشام عباس وحميد الشاعري، إيهاب توفيق ومشتاق وهواك هوايا، تلك الفترة الجميلة من كوكتيل الأغاني المميزة، والتي تباع في أكشاك القاهرة بكثرة وقد تكون جودتها أفضل وأعلى، ولكن لاننسى أن كل شئ عن المصيف مختلف.
اعتادت أمي وخالتي وأولاد خالتهم، شراء”شريط الكوكتيل” ليستمعوا له بعد طلوعهم من البحر، ندرك جميعًا قيمة اللحظة التي نعود فيها لغرفنا بعد ساعات من السباحة في المياة المالحة، ونأخذ قسطًا من الراحة، ونجلس نترقب لحظة وصول السمك “الراعي الرسمي للمصيف”
هكذا كانت جلستهم، يجلس الجميع بين تصفيق ودندنة مع المغني، وضحك وثرثرة الكبار وأغاني الجيل الجميل الشبابي ” كانت أحلى أيام”
شرايط الكوكتيل كانت تباع على أكشاك شاطئ العجمي، وإن كنت مميز وروش على حد وصفها، اختر ما ترغب في الاستماع له واصنع كوكتيل أغانيك على مزاج.