كاتب ومقال

ومضة| خلف الأسوار

بقلم: أحمد سليمان

أحمد سليمان

اعتاد رمزي أن يقف في شرفة منزله في الثامنة من صباح كل يوم انتظاراً لياسمين جارته التي تسكن في العمارة التي تواجه منزله ليسترق النظر إليها، فقد أحبها في صمت من تاريخ سكنها في هذا المكان منذ سبع سنوات.

كان رمزي يعيش وحده في منزل مكون من ثلاث غرف بعد رحيل والديه وسفر أخته إلى الخارج مع زوجها، وقد سجن نفسه في المنزل فربما يمر عليه شهر أو اثنان لا يغادر البيت إلا لأداء فريضة الجمعة، ولم يعمل رمزي في عمره الذي وصل إلى محطته السابعة والثلاثين حيث اعتمد على معاش والديه والذي استفاد منه بسبب إعاقته الحركية التي قدرها الله له دون أن يمنعه من الحياة، لكنه كان دائماً يؤثر البقاء خلف أسوار وحدته بعد وفاة أمه وهو في عمر الثلاثين وقد سبقها والده بعامين إلى العالم الآخر.

رأى رمزي في أي محاولة للعثور على عمل مناسب لمؤهله كخريج لكلية التجارة معركة خاسرة، وكان يخشى الفشل في أي شيء فلم يحاول، وكذلك في الحب فلم يحاول أن يعرف أي شيء عن جارته التي تعلق قلبه بها منذ جاءت لتجاوره في السكن، وقد ساهمت وحدته بعد رحيل والدته في زيادة تعلقه بياسمين ولكن هذا التعلق لم يكن ليثنيه عن طبعه الغريب.

خشي أن يعرف أي شيء عنها، خشي أن يعرف حالتها الاجتماعية أو عمرها أو أي شيء عن مدى مناسبتها له كفتاة يرتبط بها حتى اسم “ياسمين” لم يعرفه إلا صدفة حين مر إلى جوار سيارتها وهو عائد من صلاة الجمعة فلمح ملفاً في تابلوه السيارة عليه اسم ياسمين فظن أنه اسمها ولم يتيقن ولكنه عشق الاسم رغم عدم تأكده من أن محبوبته تحمله.

وقد نظر رمزي إلى نفسه أنه خاسر في معركته لا محالة كان دائما يحدث نفسه أنه من المستحيل أن تقبله في حياتها بأي شكل فهي الحسناء التي لا يوجد بها أي عيوب وهو القعيد خلف أسوار وحدته.

ورغم استسلام رمزي لهزيمته في معارك لم يدخلها، ورغم عدم محاولته معرفة أي شيء عن محبوبته إلا أنه كان دائماً يتساءل لماذا يأتي رجل في كل صباح ليقود سيارة ياسمين ثم يتركها ليلاً عند المنزل ويغادر فهو بالتأكيد سائق يعمل لديها، ولكن السؤال الذي شغل رمزي دائماً ما الذي يمنع محبوبته الكاملة في نظره عن قيادة سيارتها!

ظل الوضع على ما هو عليه حتى جاء يوم تغير كل شيء، نزل رمزي ليقبض معاش والده من إحدى ماكينات الصرف الآلي القريبة من منزله وبعد الانتهاء من مهمته فوجيء خلفه بمحبوبته وكانت إلى جوارها سيدة كبيرة في السن.

لم تلتفت السيدتان إلى رمزي الذي خفق قلبه وارتبك قبل أن يسرع لمغادرة المكان لكن صوتاً ما غير مفهوم أعاده للنظر إلى ياسمين والسيدة التي معها، فهي محبوبته تصدر أصواتاً غير مفهومة وتتحدث بلغة الإشارة إلى السيدة التي معها، فهي صماء وكانت تلك المفاجأة التي لم يكن يتوقعها رمزي ولكنه ربط حقيقة أنها لا تقود السيارة بما رآه أمام عينيه ليكتشف أن الفتاة التي أحبها لا تسمع ولا تتكلم.

استنتج رمزي أن محبوبته بالتأكيد تذهب صبيحة كل يوم إلى عملها وهي التي تظهر في أحسن حال دائماً ولم يمنعها ما اختبرها به الله أن تواجه الحياة.
زاد حبها في قلبه، وزاد الأمل كذلك فهي لا تخلو من العيوب الجسمانية مثله وقد تغيرت نظرته للأمر وظن أنهما على قدم المساواة.

أرسل رمزي إلى خالته وطلب منها أن تذهب إلى بيت محبوبته لتتعرف على عائلتها وتفاتحها في موضوع الزواج منه، فذهبت الخالة وتحدثت إلى العجوز التي كانت تجاور ياسمين عندما رآهما رمزي واتضح أنها والدتها، وطلبت العائلة مهلة لدراسة طلب الجار الغامض بالنسبة لهم بشأن موقفهم من تقدم رمزي لخطبة ياسمين وذلك بعد تبادل أرقام الهواتف مع خالته.

وبعد يومين اتصلت والدة ياسمين بخالة رمزي لتخبرها برفض العائلة لطلب رمزي لا لشيء إلا اعتراضاً على وضع رمزي كشخص عاطل لم يعمل في حياته قط وذلك عقب سؤال المحيطين من الجيران.

قابل رمزي رفض محبوبته بثورة على نفسه لأنه حاول أو دخل في معركة رآها من البداية خاسرة ولم يقنع أن بقاءه خلف أسوار بناها بنفسه هو ما منعه من الحياة قبل أن يمنعه عن أي شيء جميل فيها.

وفي صباح اليوم التالي كان رمزي يحزم حقائبه ويستعد لمغادرة المنزل إلى بيت صغير في إحدى محافظات الصعيد كان قد ورثه من أبويه ليقرر المكوث هناك حتى الرحيل عن الحياة دون أن يفكر في حل آخر سوى الهروب من وجه محبوبته التي لم ترفضه إلا بسبب الأسوار التي بناها وقرر أن يشاهد الحياة من خلفها دون أن يكون له أي دور فيها.

 

نبذة عن الكاتب

أحمد سليمان

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة

صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”

للتواصل :

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى