أحمد سليمان
(إن إعظم الأماني دائماً ما لم نستطع تحقيقها)
عند بداية كل عام يراجع دفاتره، لم يزل عاكفاً على عادة كتابة أمنيات العام الجديد والنظر في ما تحقق من أماني الماضي، وحدها لم تتغير تلك الأمنية منذ عشر سنوات، لم يزل يذكرها دون وضعها في قائمة الأماني أو عداد المستحيلات، لكنها ظلت براقة ربما كبريق الذهب أو كلمعة السراب، فهي جميلة كالذهب ومستحيلة كالسراب.
كان يخجل أن يذكر تلك الأمنية أمام أي إنسان منذ فترة طويلة، فالجميع يعلم أنها باتت مستحيلة أو على الأقل صعبة صعوبة لا يجب أن يُرجى فيها الأمل، لذلك أسرها في نفسه ولم يبدها لأحد، وأصر في كل عام أن يكتبها إلى جوار أمنيات العام فهي الأعلى والأجمل في كل أماني الدنيا وإن تيقن من عدم تحققها، لا بأس فأجمل المُنى هي ما لم تتحقق لأن نوال الشئ دوما يأخذ شيئاً من بريقه.
ربما كانت أمنية مستحيلة إلا أنه يراها دوما مؤجلة، لا بأس إذاَ فحتى جنات الله من الأماني المؤجلة التي لن يكون موعدنا معها في الحياة الدنيا، فجنة الرحمن هي التقاؤنا مع كل ما فاتنا في الدنيا وكل ما فارقناه وكل من فارقناه وهي الأوقات الجميلة التي لم نحيا فيها وعبرات الفرح التي لم تفارق مآقينا، والنظرات التي تُكتب لنا، والآجال التي لم نبلغها، وأمنيته هي مثل كل ذلك ولكن كيف لإنسان أن ينظر للأمر كما يراه هو، ولا فائدة من الجدل، فماذا ينفع الناس إن انتزعوا أمنيته من دفتر أمانيه أو أبقوها أو لاموه عليها أو اتهموه بالجنون.. كلها أمور لا قيمة لها.
لم يبحث عن تعريف لأمنيته، فقط اسمها يكفي دون أن يُعّرف ما يريد، تلك الفتاة التي أحبها منذ عشر سنوات، لم يكتب إلى جوار اسمها على أمل الوصال، فقد وصل إلى مسامعه أنها تزوجت، لم يستشط غضباً فهي صدته بشكل ضمني عندما كانا زملاء في الكلية، كل هذا لم يغير في عادته ولا أمنيته وكأنه استعذب أن تكون له أمنية مستحيلة، لا يتمنى أن يفرقها الله عن من تزوجت ولا يفكر في الأمر، ولا يعرف ما يريد، فكل ما كان يعرف هو أن يكتب اسمها إلى جوار الأماني فيكتب ..توسيع الرزق.. دوام الصحة.. وراحة البال.. واسمها، فقط اسمها ولا شئ دون ذلك.
هل أحبها؟، بالطبع أحبها، هل يحبها الآن؟ لا يهم، فهو لا يعرف ولا يهمه أن يعرف ولا يريد أن يفكر في الأمر، كل ما كان يريد أن تظل هذه الأمنية المستحيلة موجودة وأن تظل مستحيلة، ففي حياة كل إنسان أمنيات لم تتحقق يحب أن يحدث بها نفسه دوما ليطمئنها بأنها ستكون على موعد يوماً ما مع كل الأماني المفقودة والأحباب الراحلين وكل شئ جميل لم يتحقق في رحاب الله الذي يتسع لكل شئ لم يسعه زمان الدنيا ومكانها وأقرت قوانين الحياة بوضعه في عداد المستحيلات فزاد فوق بريقه بريق.
نبذة عن الكاتب
أحمد سليمان
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة
صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”
للتواصل :