كاتب ومقال

دار في خاطري| عقاب أم رحمة؟

ما أجمل أيام شهر رمضان، فيها يجني المرء الحسنات في كل فعل خير يقوم به، ويشعر بالبركة في الوقت والرزق والصحة، فيتمنى ألا تنقضي تلك الأيام المباركة.

وأجمل تلك الأيام هي الأيام العشر الأواخر من الشهر الفضيل حيث تحري ليلة القدر، وها هي قد أقبلت، فمنذ أربع سنوات عندما كان عمري عشر سنوات اعتدت الاعتكاف في المسجد في هذه الأيام العشر أنا وثلاثة من أصدقائي، فنستشعر لذة العبادة ونحن نجتهد كل ليلة آملين أن تكون تلك الليلة هي ليلة القدر، وعندما يقبل العيد نشعر بسعادة لا تضاهيها أي سعادة لأن الله عز وجل قد وفقنا وبلغنا ليلة القدر.

وفي هذا العام انضم إلينا صديق جديد، أراد الاعتكاف مثلنا في المسجد لينال فضل ليلة القدر، سعدت كثيرا لأن مجموعتنا زادت فردا، وتمنيت أن ينضم إلينا أصدقاء جدد في كل عام، فكم أحب أن يعم الخير على الجميع.

وفي إحدى الليالي وبينما نحن جالسون نقرأ القرآن كل منا في مصحفه الخاص، وذلك قبل البدء في صلاة التهجد صاح صديقنا الجديد ممسكا بأحد أصدقائي الثلاثة ويتهمه بسرقة مصحفه، فقال الصديق القديم بصوت منخفض: لقد استعار مني أحد القادمين لصلاة التهجد مصحفي ليقرأ القرآن حتى تقام صلاة التهجد، وعندما وجدتك لا تقرأ في مصحفك ومنهمكا في التسبيح والدعاء، أخذت مصحفك دون استئذان، ولم أظن أن هذا الأمر سوف يزعجك، أعتذر إليك، وأغلق المصحف وقدمه لصاحبه، لكن صاحبه لم يكف عن الصراخ، ولم يقبل عذره الواهي، وراح يوبخه ويتهمه بأنه سرقه لأنه جديد، بينما مصحفه قديم.

وهنا لم يحتمل الصديق تلك التهمة، فلم يستطع كظم غيظه، فراح يوبخه، وأصبح الشجار على أشده حتى وصل إلى حد لم ينفع في تدخلنا أو تدخل أي شخص آخر لفضه، حتى أقبل علينا شيخ المسجد، وبكلمات قليلة بصوته الرزين الهادئ ألزم الصديقين الصمت.

مرت لحظة صمت ليست بطويلة، ولكنني شعرت بها طويلة، ظننت أن الشيخ سيوبخهما بعدها، أو يسأل عن سبب الشجار وينصف المظلوم، أو يلقي علينا وعظا لأننا في بقعة طاهرة وأيام مباركة، ولكن تبدد ذلك الصمت بصوت الشيخ يقول: سأقص عليكم قصة، تعجبت كثيرا، ولكن قبل أن أفكر في أي شيء، قال الشيخ بهدوئه المعتاد: إن ما أرويه الآن قد حدث بالفعل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلقد أخبره الله عز وجل عن موعد ليلة القدر، ولكن بسبب شجار نشب في المسجد أنساه الله موعد ليلة القدر، ثم نظر إلى الصديقين المتشاجرين وقال: ماذا تعلمتا من هذه القصة؟ فشعر الصديقان بالخجل والخزي من فعلتهما، فاعتذر كل منهما للآخر، وراحا يستغفران الله حتى قمنا للصلاة.

وفي صباح اليوم التالي قال لي صديقي الجديد: لقد تعلمت بالأمس درسا لن أنساه أبدا، ولن أتشاجر مع أحد أبدا، فكل مشكلة لابد وأن تحل دون شجار، فمثل شجارنا هذا قد عاقبنا الله جميعا بإخفاء ليلة القدر، فابتسمت وقلت: يا صديقي هذه رحمة من ربي، فبدلا من أن نجتهد ليلة واحدة، نجتهد عشر ليال، فننال ثواب ليلة القدر وثواب تسع ليال أخريات، فما كثرة ذنوب الإنسان واحتياجه إلى أيام وليال مباركات يستغفر فيها عن السيئات ويجني الحسنات.

بقلم: ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى