كلمة ورد غطاها| الانتخابات الأمريكية بين استطلاعات الرأي العام والإعلام والواقع
قبل بدء الانتخابات الأمريكية هذا العام، كان المرشح الجمهوري دونالد ترامب يمثل الفيل كرمز لحزبه واللون الأحمر، بينما كانت مرشحة الديمقراطيين كاملا هاريس تمثل الحمار كرمز واللون الأزرق. قبل بداية الانتخابات في الخامس من نوفمبر، تصاعدت العديد من التصريحات حول عدد من استطلاعات الرأي، منها استطلاع Cooperative Election Study الذي يعتبر الأكبر على مستوى القطاع الأكاديمي، والذي تجريه كلية جوناثان م. تيش للحياة المدنية التابعة لجامعة تافتس، والتي بدأت هذا النوع من الاستطلاعات منذ عام 2006.
استطلاع هذا العام، الذي تم إجراؤه من الأول وحتى الخامس والعشرين من أكتوبر، شمل عينة بلغت 78,247 مفردة. حصلت خلالها كاملا هاريس على 51% من الأصوات، وحصل ترامب على 47%، فيما لم يحدد حوالي 3% من الأصوات موقفهم. ومعنى ذلك أنه حتى في حال ذهاب كل تلك الأصوات إلى ترامب، فإنه سيظل أقل من كاملا التي فازت في هذا الاستطلاع.
النتائج منشورة على موقع https://cooperativeelectionstudy.shinyapps.io/prez2024pre/ بالتفاصيل التي تشمل الجنس، السن، المستوى التعليمي، متوسط الدخل، الموقف من الخدمة العسكرية، ومناهضة حقوق الشواذ، والموقف الانتخابي في 2020، وغيرها من الخصائص. وعلى جانب آخر، أشار استطلاع أجرته وكالة رويترز إلى تفوق هاريس بنسبة 47% في مقابل 40% فقط لـ ترامب.
وعلى مستوى الإعلام، فقد قام بتحليل المناظرة الوحيدة التي حدثت بين المرشحين، وأشادت أغلب وسائل الإعلام بتفوق كاملا، واعتبرت أنها فاقت كل التوقعات، خاصة فيما طرحته من أسئلة وقضايا تتعلق بموقفه القانوني، ومشكلاته الأخيرة، وموقفه من الإجهاض، وغيرها من القضايا الخلافية.
ثم جاء يوم التصويت، وسهر العالم كله في انتظار النتيجة التي جاءت مفاجأة كبرى مغايرة لأغلب استطلاعات الرأي وكاسحة لما حاولت وسائل الإعلام الإيحاء به، وهي التي أخذت من ترامب موقفًا معاديًا في أغلبها منذ بدء ولايته الأولى وعلى مدار تلك الفترة، وقامت بإعادة بث مواقفه الحادة مع بعض الصحفيين والمراقبين.
جاءت النتيجة النهائية لصالح ترامب الذي حصل على 50.9% في مقابل 47.6% لـ كاملا هاريس، وهنا بدأت التحليلات التالية للحدث في محاولة للفهم والتفسير، حيث تحدث البعض عن أن المجتمع الأمريكي ما زال غير متقبل لفكرة أن يكون رئيس الولايات المتحدة سيدة، وأشارت بعض التحليلات الأخرى إلى الأمل في ترامب لتحسين مستوى المعيشة الاقتصادي لمواطنيه، وخفض معدلات البطالة، والمزيد من المواجهة الحادة مع الصين في تلك الحرب الاقتصادية.
عودة إلى مقارنة نتائج استطلاع الرأي مقارنة بالنتيجة النهائية، نجد أن الفارق بين المرشحين في حدود 4%، وهي مطابقة للفارق الحقيقي، ولكن مع اختلاف ترتيب المرشحين، تجعل نسبة الخطأ في الاستطلاع تتسع إلى أكثر من 8%، وهي نسبة غير مقبولة علميًا. فالخطأ لا يجب أن يزيد عن 3% في حالة أن تكون العينة مكونة من 1000 مفردة، وتنخفض إلى 2% في حالة أن تكون العينة مكونة من 2000 مفردة، فما بال عينة مكونة من 78,000، وهو ما يثبت فشل الاستطلاع في استقراء الواقع تمامًا.
الأمر يحتاج إلى المزيد من الدراسة في كلا من مجالي استطلاعات الرأي العام والتأثير المرجو من الآلة الإعلامية، وربما يصل المتخصصون إلى نتيجة مفادها أن تلك الأدوات ما عادت تتمتع بقوة التأثير مثلما كانت في الماضي.