كاتب ومقال

دار في خاطري| رحلة إلى القمر

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي 

أقبل الليل وأسدل ستائره على الكون الفسيح فعم ظلام لا يبدده إلا ضوء فضيا خافتا آت من القمر المنير في الأفق البعيد.

وقفت حنين ذات العشر ربيعا في شرفة غرفتها تنظر إلى السماء، وتراقب القمر المختبئ خلف الأشجار التي يبس أوراقها الخريف لتحملها الرياح وتنثرها عبثا هنا وهناك، فسمعت صوت أمها تناديها لتناول العشاء، لتخلد للنوم على الفور لكي تستطيع الاستيقاظ باكرا للذهاب إلى المدرسة، فغدا بداية العام الدراسي الجديد.

تناولت حنين طعامها وذهبت إلى غرفتها، واستلقت في فراشها على مضض، قالت حنين لنفسها: لا أود الذهاب الى المدرسة، لقد مضت الإجازة الصيفية سريعا، وراحت تفكر لتبتكر حيلة حتى لا تذهب الى المدرسة، وبينما هي تفكر في تلك الحيلة المبتكرة غلبها النعاس، فراحت في سبات عميق.

رأت حنين في منامها أنها تصعد إلى متن سفينة فضاء، يقودها كائن فضائي غريب الشكل، قالت حنين لقائد السفينة: “إلى أين نحن ذاهبين؟!” فقال القائد: “إلى مكان تحبينه كثيرا، ثم صمت للحظة ثم أردف قائلا: سنذهب إلى القمر”، شعرت حنين بسعادة كبيرة فلطالما تمنت أن تطأ قدماها سطح القمر.

وصلت سفينة الفضاء إلى القمر، ورأته حنين على عكس الحقيقة، فقد رأته كما تمنت أن يكون سطح كروي أملس مضئ، فقد كانت حنين ترفض دائما حقيقة الأشياء التى تحبها وتتخيلها على عكس حقيقتها كالقمر مثلا فقد كانت ترفض حقيقتة كونه جسم معتم ملئ بالصخور والنتوء، ونوره هذا ما هو إلا ضوء الشمس، ولأنها اعتادت أن ترى في أحلامها ما ترفضه من حقائق فقد رأت القمر في صورته التى رسمها خيالها الحالم.

هبطت حنين على سطح القمر، وراحت تتجول بصحبة قائد السفينة فاكتشفت مدينة كاملة على سطحه الأملس الوضاء، فرأت مباني شبيهة بالمباني على كوكب الأرض، باختلاف أنها ملساء مضيئة، شيدت جميعها على طراز واحد، ورأت أشجار تسطع بضوء أخضر خافت، وأزهار كثيرة تضيء بأضواء حمراء وصفراء، وأرجعت ذلك إلى التغيير في لون القمر الذي تراه من شرفتها، فتارة يظهر بلون يميل إلى الأصفر، وتارة يظهر قمرا دمويا.

بينما هي تسير وتشاهد سطح القمر في سعادة، رأت حديقة غناء تتخللها مقاعد صغيرة يجلس عليها أطفال أشبه بأطفال كوكب الأرض، فسألت حنين القائد: “ما هذا المكان؟” فأجابها: “هذه هي مدرسة القمر”، وفي نفس اللحظة رأت حنين المعلمة وسمعت صوتها وهي تشرح للتلاميذ، طلبت حنين أن تستمع إلى الشرح فربما كانت مدرسة القمر أفضل من مدرستها التى تنتظرها خلال ساعات، فسمحت لها المعلمة بالحضور ورحبت بها قائلة: “رحبوا بزميلة لكم أتت من كوكب الأرض”، فرحب بها التلاميذ الذين يعلمون الكثير عن الأرض وسكانها.

جلست حنين تستمع إلى شرح المعلمة، فقد كانت تشرح بأسلوب سلس ومشوق، تناقش التلاميذ وتجعلهم يفكرون ويستنتجون دون عقاب أو سخرية، تجيبهم على جميع أسئلتهم مهما كانت غريبة دون كلل أو ملل.

بعد انتهاء الشرح تحدثت حنين إلى أحد التلاميذ فسألته: “أتحبون المدرسة؟” نظر التلميذ إليها وأجابها متعجبا: “أجل! أهناك من يكره العلم؟!” فسألته مرة أخرى: “ماذا تدرسون غير ذلك العلم الذي استمعت إليه؟” فأجابها: “ندرس كل العلوم”، فوجئت حنين بالإجابة فأعادت عليه جملته ” كل العلوم!” فقال: “نعم! ندرس كل شئ لا بالإكراه بل بحب المعرفة، فأسلوب أساتذتنا يجعلنا نطلب منهم تعلم المزيد، وبمرور الوقت تتضح ميول كل فرد، فيتعمق في دراسة ما يفضل، فهو وحده من يختار العلوم التي يريد التعمق فيها، وحين يتم الطالب دراسته يكون قد أصبح عالما في ثلاثة أو أربعة من العلوم، وملما بالباقي منها”

،قالت حنين: “إذن أنتم دائما في تقدم وازدهار”، قال: “بالتأكيد، ألم تحيوا في أرضكم فترة تقدم وازدهار في فترة كان فيها العلماء العرب المسلمون علماء موسوعيون، مبدعون في شتى العلوم؟! وقد نقل العالم عنهم تلك العلوم؟! نحن أيضا تعلمنا منهم الكثير لذا فنحن نهتم بالعلم والتعلم، ونتبع دائما أسلوب الترغيب لا الترهيب، الأساس عندنا لما يحمله عقل الفرد من علم لا لما يحمله من أوراق تدل على التعلم”.

هنا سمعت حنين صوتا تعرفه جيدا يقول: “حنين هيا استيقظي، ستتأخرين على المدرسة”، فتحت حنين عينيها فرأت أمها بجوارها، فقالت لها: “صباح الخير”، قالت حنين: “صباح الخير يا أمي، لن أذهب إلى المدرسة أبدا”، تعجبت الأم من قرار ابنتها القاطع بعدم الذهاب الى المدرسة، فراحت تحدثها كما كانت تفعل دائما وتقول: “لابد من الذهاب إلى المدرسة، ألا تريدين أن تصبحي طبيبة؟” قالت حنين: “سأذهب إلى مدرسة واحدة هي مدرسة القمر”، وراحت تقص على أمها الحلم الذي رأته.

تمر الأيام وحنين لا تتوقف عن قص ذلك الحلم على جميع أقربائها، ومعلميها، وكل من يحدثها عن المدرسة والعلم، ولا أحد يعلق عليه بتعليق مقنع لها، أترى سيأتي اليوم الذي تسمع فيه تعليقا مقنعا؟! أم أنه سيأتي اليوم الذي يتحقق فيه حلمها؟! وبالتأكيد لم يكن ذلك الحلم هو الالتحاق بمدرسة القمر.

 

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى