من المحيط إلى الخليج.. أمثال شعبية قللت من شأن المرأة
لا يأخذ المجتمع وحده على عاتقه مهمة تعقيد حياة المرأة وظلمها، إن في القوانين أو العادات والتقاليد، إذ تقف اللغة والمفردات إلى جانبه، ومن خلفها الأمثال الشعبية والمقولات الشهيرة.
قليلة هي تلك الأمثال التي ترفع من شأن المرأة، والقليل النادر منها ما يقف في حق المرأة، حتى إن بعض الأمثال تحمل على متنها عنصرية وتنمراً ومقاييس كُرّست على أنها حقائق، فظلمت أجيالاً من النساء والرجال.
العنصرية والتمييز في الأمثال:
لا بد أن تخضع الأمثال واستخداماتها على الأقل في هذا العصر للتفكير والتدقيق قبل رميها، وكأنها حقائق ومقدسات على وزن “المثل ما قال شي غلط”، ففي الواقع كانت الأمثال تعبرعن حالة ما أو مناسبة أو ظرف ولا يصح سحبها على الظروف والأزمنة كافة، وأغلب الظن أن تلك المتعلقة بالتمييز صدرت ربما عن جهل أو عدم إدراك ومفاهيم اجتماعية بتنا نسميها اليوم بالية.
فهي التي أخرجت آدم من الجنة وجنت على البشرية جمعاء، بحسب المفهوم الديني، وعلى حسب ما أعتقده المجتمع، ومنه أتى مثل “امراة واحدة خربت الفردوس”.
وحتى أن تشبيه أي فعل بأنه كفعل المرأة بمعنى الاستخفاف أو قلة الأهمية يستخدم بشكل دائم بين الرجال والنساء، فقيادة غير ماهرة يقال عنها “سواقة حريم”، وكلام غير دقيق ولا يعول عليه يسمى “حكي نسوان”.
وعندما يريد أحدهم التأكد من وعد معين يُسأل إذا كان الكلام “كلام رجال”، في إشارة إلى أنه كلام ثقة، وللتشبيه بالضعف أو الجبن يشبه الصبي بالبنت، وللنيل من رجل لا يأخذ موقفاً يقال إنه “ابن أمه” أو إنه “أنثى”، كل ذلك في سبيل التقليل من الشأن والإهانة، والمرأة إذا كانت قوية وأخذت موقفاً مشرفاً يقال لها “أخت الرجال” أو رجال”.
وفي الأمثال الشعبية، للقصيرة نصيب وللطويلة كذلك والممتلئة والنحيفة والسمراء والبيضاء والفقيرة والغنية، ولطالما ردد مفهوم أن “المرأة بنصف عقل” أو “بعقل دجاجة خوتة أي مجنونة”.
أما عن مكانة الفتاة في الأسرة فمتفاوتة لكنها تجنح لتكون مسيئة أكثر، وعلى الرغم من المثل القائل إن “أب البنات مرزوق”، فإن عدداً من الأمثال تقابله وتسيء إلى المرأة بطرق مختلفة من ولادتها حتى مماتها مثل: “عقربتان عالحيط ولا بنتان بالبيت”، و”يا جايب البنات يا حامل الهم للممات”، “ابنك لك وابنتك لا”، و”ابن عاص ولا عشرة مطيعات”، و”ابن الابن ابن الحبيب وابن البنت ابن الغريب”، و”صوت حيّة ولا صوت بنيّة”، و”البنت للعفن والولد للكفن”.
اقرأ أيضًا: قراءة الفنجان ووشوشة الودع.. لماذا ارتبطت التكهنات بالمرأة؟
الأرملة والمطلقة:
لا تتوقف الإساءة للفتاة هنا، بل في الأمثلة دعوة إلى الاستغلال أيضاً، هذه الأمثلة التي تعاير الأرملة في المثل “جاء للأرملة جوز قالت أعور ما بينفع”، وكأن عليها القبول بأي رجل طالما مات زوجها، على اعتبار “اللي مات جوزها يا غلبها وعوزها” و”ظل رجل ولا ظل حيطة”، حيث من الأفضل أن ترحل المرأة قبل زوجها على اعتبار “اللي ربنا متمم سعادتها بيطلع زوجها بجنازتها”، وكذلك “اللي بتموت وليته من صفاء نيته”.
كما يُدعى إلى استغلال الأرملة في المثل القائل “خود الأرملة واضحك عليها وخود من جيبها واصرف عليها” وبكل الأحوال، تعتبر الأمثال أن الرجل هو المسؤول الوحيد نظراً لعدم أهلية المرأة، فهو صاحب السلطة والعقاب، فـ”الفرس من ورا خيالها والمرا من ورا رجالها”، و”الرجال غابت والنساء سابت”. أما طلاقها وعودتها إلى بيت أهلها فيقال فيه “رجوع البنت للأساس أثقل من الرصاص”، و”لو الطلاق بإيد المرأة بتصير الحياة مسخرة”، و”غيرة المرا مفتاح طلاقها”.
وفي تحريض صريح على العنف ضد المرأة، يقول المثل “إكسر للبنت ضلع بيطلعلها 24 ضلعاً”، و”البنت إما جبرها أو قبرها” في حين يعد اتكال الرجل على المرأة عاراً رجولياً، فينعت الرجل بأبشع الأوصاف خصوصاً إذا كان الاتكال ماديًا.
اقرأ أيضًا: هل حقًا “الستات مابيعرفوش يكدبوا؟”.. الخبراء يوضحون الحقيقة لكلمتنا
كما أن الأمثال الشعبية غالباً ما تعتبر موجزاً مكثّفاً وبليغاً عن تجربة عاشها الناس في فترة زمنية معينة، لتعود وتتناقلها الأجيال عبر الزمن، ولأن تجارب الناس متنوعة نجد بأن الأمثال أيضاً متنوعة وهي أحياناً تكون متناقضة وتعكس تجربتين بشريتين مختلفتين.
وعما إذا كان الرجل هو من صاغ الأمثال الذكورية، فليس بالضرورة أن يكون الرجل كرجل قد صاغ المثل، لكن لأن مجتمعنا بشكل عام مجتمع أرستقراطي، نجد أن الأمثال في الغالب ذكورية، وقد تصوغ النساء أمثالاً تمدح وتمجد الرجال على الرغم من انتمائهن للجنس الأنثوي، لكن تلك النساء هن مثال لهذا المجتمع الأرستقراطي، التي تعيد إنتاجه بأشكال مختلفة والمثل الشعبي إحداها، “ظل راجل ولا ظل حيطة”، و”الزلمة بالبيت رحمة لو كان فحمة”.
أما في المجتمعات الغربية نجد أمثالاً تقلل من شأن المرأة وهذا ليس بغريب أيضاً، على الرغم من دخول المجتمعات الغربية إلى عالم الحداثة، من وجهة نظر سوسيولوجية أرى أن الرأسمالية تعمل على اضطهاد المرأة والرجل على السواء، وتضطهد المرأة أكثر لأنها تقدم قوة عمل داخل المنزل غير مأجور، هذه اللامساواة بينها وبين الرجل والقمع الجاري بحقها سوف ينعكس على تجارب الناس، بالتالي على الأمثال الشعبية.
اقرأ أيضًا: كيف كانت تعيش المرأة في العصور الوسطى؟