كاتب ومقال

دار في خاطري| أجمل أيام السنة

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي 

ما أجمل النهار! ففيه النشاط والحيوية فهو رمز الحياة وخاصة في تلك الأيام من كل عام، إنه اليوم التاسع والعشرون من شهر شعبان، وفي إحدى شوارع القاهرة المزدحمة بالمحال التجارية والناس كبارا وصغارا، والصخب الذي هو مزيج من أصوات الباعة والمشترين، وصيحات الأطفال وتهليلهم، وأغاني رمضان الجميلة وأصوات الفوانيس الحديثة.

وعند أحد المحلات التي تبيع الفوانيس وقفت ياسمين البالغة من العمر عشر سنوات وشقيقها بدر البالغ من العمر ثمان سنوات، وشقيقتها الصغرى بسمة البالغة من العمر أربع سنوات، يشاهدون الفوانيس وأعينهم تتنقل بإعجاب كبير بين كل فانوس وآخر.

قالت بسمة وهي تجذب يد والدتها: “أمي أريد فانوسا”، فقال بدر: “وأنا أيضا، أريد هذا”، وأشار إلى أحد الفوانيس المعلقة بالمحل، فقالت الأم: “حسنا يا أحبائي، وأنت يا ياسمين لا تريد فانوسا؟!” فقالت ياسمين: “بالتأكيد أريد واحدا، ولكنني مازلت في حيرة من أمري!! أيهم أختار؟!”

وهنا ضحك الأب وقال: “من منكم يعرف قصة الفانوس؟” فلم يجب أحد، فقال صاحب الحانوت وهو رجل في عقده السادس: “تفضلوا يا أبنائي، لقد سمعت سؤال والدكم فاسمحوا لي أن أخبركم بقصة الفانوس”، فانصت الأطفال لسماع القصة.

قال صاحب الحانوت: “إن الفانوس مصري الأصل، ومن مصر انتقل إلى جميع أنحاء العالم العربي، وهو أيضا ابتكارا إسلاميا أصيلا، وقد ظهر لأول مرة في رمضان حين خرج المصريين ليلا لاستقبال الحاكم الفاطمي المعز لدين الله”.

فقالت ياسمين: “لقد حدثتنا عنه المعلمة في المدرسة، فهو الذي أمر قائده جوهر الصقلي ببناء مدينة القاهرة”، فقال الشيخ: “أحسنت يا ابنتي، ثم أردف قائلا ولقد تطورت أشكال الفوانيس على مر العصور حتى أصبح بالشكل الحالي”.

وهنا قال الأب وهو يبتسم ويستعيد ذكريات الماضي: “أذكر عندما كنت في عمر بسمة أن أبي ابتاع لي فانوسا من الصاج ينار بالشمعة”، فضحكت الأم وقالت: “أعرفه ولكنني لا أذكر أنني أمتلكت يوما فانوسا مثله، بل كان لدي فانوسا بلاستيكيا ينار بمصباح صغير، وبداخله مجسم لعصفور صغير، ويعمل بالبطارية”، فقال الأب بصوت منخفض حتى لا يسمع أبنائه: “لقد حطمت مثله الكثير”، قالت بسمة: “أنا لا أفهم شيئا من هذا الكلام، أريد هذا الفانوس”، فقال بدر: “وأنا أيضا”.

ابتاع الأب لأبنائه الفوانيس وغادروا الحانوت، قال بدر: “أريد التمر، إنني أحبه كثيرا عند الإفطار”، قالت ياسمين: “بل قمر الدين إنني أفضله أكثر من التمر”، فقالت الأم: سنشتري كل ما يلزم، فقال الأب: “أتذكر عندما كنت صغيرا كنت أفضل التمر باللبن”، فقالت الأم: “إنني كنت أفضل الخشاف، واتشاجر مع إخوتي من أجل أن يكون في أول أيام شهر رمضان”، فقالت ياسمين: “إذن فلنعد قمر الدين في اليوم الأول”، فقال بدر: بل التمر، فقال الأب: “من سيقوم بإعداد ما يحب سيكون له في اليوم الأول”.

ابتاعت الأسرة كل ما يلزم لاستقبال الشهر الفضيل، ومن ثم عادوا إلى البيت قبيل غروب الشمس، فوجدوا الجيران يستعدون لتزيين الشارع بالمصابيح، وقصاصات الورق الملونة، أما جارهم الحاج عبد العظيم والذي يعمل نجارا فقد صنع مجسما لجامع من الخشب ليوضع في وسط الشارع، فوقف بدر ووالده لمساعدتهم في تزيين الشارع.

وأتى وقت استطلاع هلال شهر رمضان، فجلس الجميع في صمت للاستماع إلى القرآن الكريم، وبعدها أعلن فضيلة المفتي أن غدا هو غرة شهر رمضان، فعلت الصيحات والتهليلات، وتبادل الجميع عبارات التهنئة والأمنيات الطيبة في هذا الشهر الكريم، وعلت أصوات أغنيات رمضان الممزوجة بأصوات غناء الاطفال وضحكاتهم، إلى أن رفع آذان العشاء علت أصوات المساجد “حي على الصلاة، حي على الفلاح” لتمتليء بعدها بالمصلين، فأقيمت صلاة العشاء والتراويح، واستمرت الطقوس الرمضانية لمدة ثلاثين يوما هم من أجمل أيام السنة.

اقرأ أيضًا: دار في خاطري| الكلام المعسول

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى