إن تسألوني من أنا؟! فأقول أنا عصفور صغير، كسر جناحيي، وحبست بقفص واسع وكبير، ولكني مكبل القدمين، فصرت مثبتا أمام الماء والطعام.
أما القفص فهو براق ومزين، يحسبه الجاهل قصرا ذهبيا فخما، شيد فوق ربوة عالية، وذلك لأنه معلق أعلى الجدار، ولكن الحقيقة أنه سجني الصغير، المعلق داخل سجني الكبير.
إن هذا القفص موصد بإحكام، فقد صفد بأصفاد غليظة من حديد، وعلق بعناية أعلى جدار جانبي لغرفة مغلقة النوافذ والأبواب، لا تعرف شروقا للشمس ولا بزوغا للقمر، سجن فارغ بارد، يستمد برودته من أعماقي الجوفاء، برودة لم تكتسب من الطقس الخارجي، بل هي نابعة من داخلي، تمزق قلبي، وتدق عظامي.
ظلمات بعضها فوق بعض، ظلمة عجز، وظلمة قيد، وظلمة حبس، فتلك ظلمات ثلاث تقبع داخل غيهب كبير.
أجلس وحيدا ليل نهار في صمت مخيف رغم الضجيج الذي بالخارج، أو بأدق تعبير في العالم الذي انتشلت منه لأسكن عالم الغياهب الموحش، فأسترق السمع، فلا أفهم شيئا مما يقال، أتراهم يتكلمون بلغات لا أعرفها؟! أم أنها لغة جديدة صيغت لتناسب هذا العصر؟!
وحين أسمع صوت مفتاح يدور في قفله، أعلم أن صبح قد أقبل، فأنظر لأرى شعاع ضوء خافت سرعان ما يختفي، فأعلم أن هذا موعد وضع الطعام الجديد لي، ومن ثم تفتح النافذة لبضع ثواني، ليرى القادم ماذا يفعل، ثم يختفي ويختفي الضوء، وأبدأ أنا بالقيام بنشاطي الوحيد ألا وهو تناول الطعام، ذلك الطعام الذي لا أملك اختياره أو تغييره.
ولكن هناك أمر عجيب يحدث كل صباح حين تفتح النافذة قليلا فأشعر بالطيور تأتي من كل حدب وصوب ينظرون بفضول إلى الداخل، ثم يهمس بعضهم لبعض بكلمات تنم على الحقد والحسد لشخصي السجين فيقولون: “يا له من محظوظ!! ينعم بالراحة والسعادة، ويأتي الطعام والشراب إليه دون عناء، ونحن نكد ونتعب حتى نحصل على القليل”.
هل أصبح السجن راحة وسرور؟! والحرية تعب وعناء؟! أم أنني في نعيم حقيقي؟! فأخشى التمرد عليه حتى لا يزول ؟!
نبذة عن الكاتبة
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: