كاتب ومقال

دار في خاطري| إلى أين؟!

كتبت: ريم السباعي

وقف على الصخرة العالية ونظر إلى البحر الذي راحت أمواجه الهوجاء تضرب تلك الصخرة بقوة، ضربات قوية كتلك الضربات التي تلقاها جسده من تلك الرياح العاتية في ذلك الوقت من العام، حيث أن الطقس شديد البرودة.

في البداية لم يفكر كيف وصل إلى هذا المكان، ولكن كل ما استرعى انتباهه، واستشعره عقله وجوارحه أنه أصبح الآن حرا، أجل! حرا طليقا غير مقيدا، فقد استطاع التخلص من تلك الأصفاد التي كبلته من زمن ربما كان قصيرا ويراه طويلا، لقد كانت أصفاد قاسية ليست من حديد أو فولاذ، أصفاد لا ترى بالعين، بل ترى بالقلب والعقل.

لقد فقد قدرته على الاختيار، اختيار أي شيء، وكل شيء، فقد كانت تفرض عليه كل أموره الحياتية فرضا، لا يدري ما هي الأسباب التي أدت لذلك، أهو ضعف منه؟! أم هي قوة خارت أمامها قواه؟! أم أن ذلك بسبب عجز تملكه دون أن يدري فأدركه من ولى نفسه واليا عليه ليكون الآمر الناهي لمغلوب على أمره ليس له سلطان على نفسه؟!

ولكن أيا ما كانت الأسباب، فلقد شعر بضعفه ووهنه، وفقد الثقة الكاملة بنفسه، وفقد شعوره بأنه حي يرزق، بل شعر بأنه جماد لا حياة فيه، كأنه قطعة أثاث قبيحة مهملة، ملقاه في أحد أركان بيت جميل منسق فشوهته، فقرر أصحاب ذلك البيت أن يجملوها، فاختاروا لها ما يرونه مناسبا لهم، لكي تتناسب مع تنسيق البيت، أجل! هكذا تكون معاملة الجماد، لأنه ليس بحي يرزق.

ومن ثم استوقفته عبارة “حي يرزق” فسأل نفسه: أهو حقا حي يرزق؟! إن ما يشعر به من حركة في جسده يجعله يجزم بأنه حي، ولكن ماذا عن الرزق؟! فهو لا يملك المال، ولكن هل الرزق مقصورا على المال؟! ثم فكر مليا ليصل إلى أن إجابته على سؤاله “لا!” فقال لنفسه: مساكين هؤلاء البشر، إن رزق الله واسع ولكنهم كبلوا أنفسهم فأحصروا الرزق في المال، فلقد ضيعوا حريتهم ولم ينعموا بأرزاق الله.

وعندئذ شعر بالبرد يتسلل إلى جسده، فنظر حوله، فلم يرى سوى البحر، إنه البحر على مد البصر، فشعر بالحرية، شعور لم يشعر به من قبل، ولكن سرعان ما تلاشى ليحل محله شعور بأنه مقيد بقيد جديد، فهو لا يجيد السباحة، فكيف له أن يبرح هذا المكان؟! لقد أصبح سجينا فوق تلك الصخرة، فانتابه يقين بأن لا حرية في هذا العالم، بل سجون وقيود، أصفاد يصعب تحطيمها مهما بلغت هشاشتها، فهذه هي الحياة.

فراح يردد لا حرية في هذا العالم، ولكن شيئا ما بداخله راح يهمس: “لا تستسلم لتفكير عقيم، أردت أن تمحو الحرية حتى تشعر بأن جميع البشر مثلك سجناء”.

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى