دار في خاطري| الصمت
طالما اعتقدت أن الصمت نوع من أنواع الظلم، خاصة ظلم الإنسان لنفسه، فالصمت عندما تكون متهما يضيع عليك فرصة إثبات براءتك، والصمت عند مجالسة الحكماء، والفقهاء، والمثقفون يضيع فرصتك في تعلم الكثير، والاستفادة من خبراتهم، والصمت عند رؤية الخطأ يجعلك مذنبا، أو ربما يكون باستطاعتك تقديم النصح والإرشاد، فبصمتك تحرم المخطئ من شيء ربما يصلح من شأنه.
ولكن هناك وجه آخر للصمت، أو كما يروق لي أن اسميه “فن الصمت” فهناك الكثير من الأمور تحتاج إلى الصمت، فالصمت لا يعني التجاهل في كل الأحوال، بل هناك أسباب كثيرة للصمت، ومواقف أكثر تلزمك الصمت، حين يدرك عقلك في ثوان معدودة أن الكلام لا جدوى منه.
وفي بعض الأحيان يكون فيها الصمت واجبا بأن تصمت احتراما لإنسان لا يصح أن تجادله، إما لمكانته الرفيعة لديك، كوالديك، ومعلمك، أو إحتراما لإنسان كبير في السن، أو إحتراما لحكمة حكيم، أو علم عالم، أو خبرة خبير، ففي هذه الأحوال أو في بعضها يكون الصمت أفضل من الكلام.
وكثيرا ما يكون الصمت هو ملاذك حين يجادلك أحد الجهلاء ممن تعي جيدا أنه لا رغبة له في تعلم شيئا، ومهما وجهته، أو حاولت محو جهله لن يأتي بخير، فهو مصر على أخطائه وموقنا بأنه دائما على صواب.
أما الصمت عند الغضب فهو بداية طريقك لتكون من الكاظمين الغيظ، وحين تخمد ثورة الغضب يكون باستطاعتك أن تكون من العافين عن الناس، فهنا الصمت يمنعك من الندم في النهاية.
وأحيانا يكون الصمت تجاهلا مقصودا، كرد فعل لأقوال وأفعال تصدر من أناس لا تريد الخوض في حديث معهم، كشخص سلبي، أو شخص حقود، أو دائم الشكوى، أو من يراك دائما مخطئ، فهؤلاء يكون الصمت والتجاهل هو الأفضل من أجل أن تحافظ على ما بداخلك من إيجابيات حتى لا تتأثر بتلك السلبيات القادرة على تدميرها.
وأخيرا الصمت حين لا يسمع صوتك، حين تتحدث ولا أحد يعيرك أي إهتمام، ولا تجد كلماتك آذانا صاغية، تصمت حين لا يفهمك الجميع، ولا يشعر بألمك، وحزنك، وفرحك أي إنسان، فالصمت هنا هو أفضل الحلول، حتى لا تشعر بأنك شخص منبوذ، أو مجنون يهذي، تلزم الصمت حين تشعر بأنك تتحدث إلى آذان صماء لن تسمعك مهما كان صوتك عاليا.
إن الصمت أفضل من الكلام في كثير من الأحيان، فالكلام عند الضرورة لقول خير، أو منع شر أفضل من الثرثرة الجوفاء، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”.
بقلم
ريم السباعي