أحمد سليمان
جلس أيمن على مكتبه في شركة البرمجيات التي يمتلكها منذ خمس سنوات، وقد كان امتلاك تلك الشركة حلمه منذ الصغر.
كان يتمنى أن يحقق هذا الحلم في سن صغيرة، لكنه بلغ عامه الخمسين منذ أيام قليلة، وبدأت تداهمه بعض آلام الظهر والمفاصل بسبب كثرة الجلوس على المكتب والعمل في مجال الكمبيوتر.
تمنى أيمن أن يحقق حلمه وهو أكثر قوة ونشاطاً وليس بعد أن تفتر رغباته وقواه، وقد جلس على مكتبه يتفكر في القانون.. قانون الحياة التي لا تسير أبداً وفقاً لما نريد لأنها بكل بساطة حياة فيها ألوان عديدة بخلاف اللون الأبيض، كما أن الاجتهاد والسعي لا يشترط أن يكونا كافيين لتحقيق النجاح كما ظن أيمن في الماضي.
يعتبر أيمن نفسه محظوظاً رغم أن أحلامه تأتي دائماً ناقصة عندما تتحقق، لكنه إن اعتبر نفسه غير ذلك لكان ناقماً على النعم التي منحها الله له، وقد تأكد دوماً أن النجاح في الدنيا لا يأتي إلا ناقصاً، فقد تحلم بالثروة وتسعى إليها لتحقق كل ما تتمنى وتسافر حول العالم ولكن عندما يأتي المال تكون صحتك قد تراجعت ولا تتمكن من السفر بنفس النشاط، وقد تحلم بأن تصبح صاحب عمل ولا تُفرض عليك أي قيود لكنك عندما تمتلك شركتك تكتشف أن قيوداً أخرى قد تم فرضها عليك مثل تحقيق أهداف معينة ونسبة أرباح إلى جانب خوفك الدائم على فقدان ما وصلت إليه.
“أحلام ناقصة” هكذا رأى أيمن كل ما تحقق من أحلامه رغم اعتبار نفسه محظوظاً، فقد تزوج بالفتاة التي أحبها في الجامعة، ولكن كل سنوات شبابهما كانت تعب وكفاح، لم يسافرا سوياً إلى الأماكن التي أحبوها ولم يكن لديهما المال لرفاهية كبيرة في حياتهم، كما أنه لم يكن يقضي الكثير من الوقت في المنزل لانشغاله بتحقيق أهدافه على مستوى العمل، وحلم أن ينجب أطفالاً أذكياء متفوقين ووهب له الله ولدين أحدهما أنهى دراسته الثانوية بنجاح وحصل على منحة وسافر للخارج، بينما الآخر تعثر في الدراسة وسبب له العديد من الأزمات.
إن الأماني قد تأتي متأخرة وقد تأتي ناقصة وقد لا تأتي من الأساس، ولكن حتى عندما نحقق أحلامنا قد ننتزع منها انتزاعاً عند الوصول إلى خط النهاية، خط النهاية الذي لا نعرف زمانه أو مكانه، وهو ما كان يخشاه أيمن.
“قيد الخوف اللعين”.. الخوف على ما نملك بعد أن حقق لنا الله أحلامنا، والخوف من نفاد آجالنا قبل أن نتمتع بما سعينا له سنوات وسنوات، فربما نسعى ثلاثين عاماً لتحقيق حلم حتى إذا وصلنا إليه لم نتمتع به سوى لحظات قبل الرحيل عن الدنيا، إنه قانون الحياة التي لا تمنحنا سوى نصف أحلام وكأنها أحلام للإيجار لا نمتلكها مهما ظننا ذلك.
إن المستأجر يرحل ويترك مكانه مهما جدد في هذا المكان وزينه فلابد من الرحيل يوماً ما، وهكذا هي الأحلام في الدنيا وكل ما نملك فيها وكل ما نحقق نكون فيه كالمستأجرين عقودنا مجهولة المدة قد تقصر أو تطول لكنها تنتهي يوماً ما.
إن الفناء هو قانون الدنيا، لكل واحد فيها أربعة وعشرون قيراطاً، لا يأتون دوماً بالشكل الذي تمنى ولا في الوقت الذي أحب، ولا يمكن للإنسان أن يبدلها بما لم ينل إذا ما أراد وما ينبغي له وما يستطيع، سنة الله في الأرض منذ نفخ الروح في آدم حتى ينتزعها من آخر بنيه، وكل ما يمكن للإنسان فعله هو السعي ليحصل على ما كتب الله له، حتى إذا نفد نصيبه من الدنيا فاضت روحه إلى نعيم مقيم أو عذاب خالد.
قطع تفكير أيمن في هذه الأمور طرق على باب مكتبه وفور انتباهه سمح للطارق بالدخول فإذا بها مديرة المكتب تخبره بأن الموظفين جاهزون للاجتماع لمناقشة مشكلة عدم استقرار أسهم الشركة في البورصة.
نبذة عن الكاتب
أحمد سليمان
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة
صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”
للتواصل :