دار في خاطري| الجرح الدامي (الجزء الخامس)
كان المقدم صلاح جالسا أمام الطبيب في عيادته الخاصة، فقال الطبيب بعد الرد على أسئلته: لقد حذرتها كثيرا من فعل ذلك، لأن تكرار ذلك الأمر سيجعلها تفقد قدرتها على الإنجاب، قال المقدم: هل كان زوجها يعلم ذلك؟ قال الطبيب: لم يكن يعلم، فقد أوهمته بأن ذلك يحدث دون سبب، ذلك ما علمته منه حين أتى إلي وسألني عن حالتها، ولكن واجبي المهني جعلني أخبره بالحقيقة، وعلى الرغم من ذلك فعلت الأمر مجددا.
خرج المقدم من عيادة الطبيب قاصدا بيت هادي رشوان، وقابلته دنيا وهي تقول: هل من جديد في القضية يا حضرة الضابط؟ قال المقدم: نعم! ولكن أخبريني هل زارتكم رانيا هنا من قبل؟ فقالت: لا! لم يدخل إلى هذا البيت أي صحفيا أو إعلاميا من قبل، قال: إذن فإن رانيا لا تعرف الدكتور عبد الودود؟ قالت: رانيا؟!! عبد الودود؟!! ما الذي جعل رانيا … لا أعلم … ربما … ربما أجرت معه حوارا صحفيا حول أبحاثه العلمية المشهورة، فقال: ولكن رانيا تعمل في الصفحة الفنية، قالت: أجل! أجل! ولكنها كانت قبل ذلك تكتب … فقاطعها قائلا: لم تكتب رانيا مقالا علميا من قبل ولم تجري مع الدكتور عبد الودود أي حوارات صحفية، فقالت: إذن فهي لا تعرفه، ما هذه الأسئلة الغريبة؟! هل رانيا هي التي وضعت السم في كوب العصير؟! قال: إن من وضع السم أراد أن تتجه أصابع الإتهام إلى رانيا، لذا فقد كان حريصا على أن تبقى بصماتها على العلبة التي بدل محتواها بالسم، لقد تم التأكد من أن السم تم أخذه من معمل عبد الودود، ولكن لم يكن الأمر انتحارا كما قال، بل جريمة قتل مدبرة، قالت: من القاتل إذن؟!
قام المقدم واتجه نحو النافذة، ووضع مذكرات هادي في مكانها كما كانت وقال: هل قرأتها سيدتي؟ قالت: كنت أقرأها في البداية ولكني عدلت عن ذلك، فلقد كانت مجرد مبالغات لا قيمة لها، قال: إذن نعود إلى القضية، إن من تسلل إلى المعمل وأخذ السم ليس من الضرورة أن يكون ضليع في الكيمياء، يكفيه فقط أن يعلم أن المواد الكيميائية مكتوب عليها صيغتها الكيميائية، وبإمكانه وبكل سهولة معرفة صيغة المادة التي يريدها من خلال كتب الكيمياء، أو الإنترنت إذا أراد الأسهل، منذ متى وأنت ترتدين هذا القفاز الصوفي سيدتي؟! قالت: منذ حل الشتاء، إن يدي باردة دائما هذه الأيام، فابتسم وقال: ولأمر آخر أيضا وهو لكي تعتادي فعل الأشياء به حتى لا تتركي أي بصمة لك في أي مكان، فشحب وجه دنيا واتسعت حدقتها.
فقال المقدم: أنت قاتلة هادي، قالت بارتباك: هل دليلك هو القفاز يا حضرة الضابط؟! قال: لا! بل وحجز السفر إلى الأقصر الذي لم يحدث وقد قلت أنك قمت بإلغائه وعلبة رانيا، فلقد كنت تعلمين أنكما لن تسافرا، ولكنك أوهمت هادي بأنك قمت بالحجز مثل كل عام، كما أوهمته بأن الإجهاض يحدث دون سبب.
نظرت دنيا إلى المقدم وابتسمت ابتسامة باهتة وقالت: كنت أخشى الإنجاب، لأنني طول الوقت أشعر بأن حياتي غير مستقرة، وكلما تحدثت إلى هادي عن ذلك أكد لي أنه من الممكن أن يتزوج غيري، حتى أتى اليوم الذي تلى إجهاضي في المرة القبل الأخيرة، فقد عاد من الخارج سعيدا وهو يقول: حمدا لله أن حملك لا يستمر، فأنا لا أريد الإنجاب في الوقت الحالي، أو ربما أنجبت أطفالا أمهم ليست أنت، وراح يضحك ضحكات عالية، لقد كانت تلك الكلمات بمثابة سكين طعنني به، ومازال الجرح ينزف حتى الآن، ومنذ ذلك اليوم وأنا أفكر في خطة محكمة للخلاص منه هو ورانيا، تلك الفتاة التي كنت على يقين بأنه كان يعنيها في كلامه.
فلقد سرقت علبة رانيا حين سقطت من حقيبتها كالعادة، وغافلت عبد الودود وأخذت السم، كما قلت عرفته من خلال معلومات الإنترنت، كنت أفكر في وضع السكر بدلا من السم الذي أخذته حتى لا يكتشف اختفائه، ولكني خشيت إفساد تجاربه، وفي الغرفة ألقيت بالكرة بالقرب من هادي لافتعال جلبة حين يتعثر بها أحدهم فيصدم كوب العصير الذي في يده فينسكب، وباقي القصة أنت تعلمها جيدا.
أتت نيللي بكوبي عصير ووضعتهم على المنضدة، فقال المقدم: ليتك كنت تقرأين مذكرات زوجك، وأخذ الدفتر وفتحه على الصفحة الأخيرة التي دونت بتاريخ مقتله وأعطاه لها وطلب منها القراءة، فقرأت: إن اليوم ضاع ابني السادس، لم أكن أتخيل أنها ستضيعه هذه المرة، فلقد تعمدت إظهار عدم إهتمامي بأي طفل تنجبه حتى تتمسك بالطفل القادم في المرة المقبلة، لا أعلم لماذا تعاقبني على ذنب لم أقترفه.
أغلقت دنيا الدفتر وألقت به على المقعد بجوارها، وراحت تحدق في أحد أكواب العصير، ومدت يدها ببطء نحوه حتى أمسكت به، وقبل أن تشرب صدم المقدم يدها وأوقع الكوب على الأرض وقال: لقد رأيت ما وضعته، لن أدعك تنتحرين، فراحت تصيح: لقد كانت آخر جرامات من السم، وراحت تهزي بكلمات غير مفهومة حتى غابت عن الوعي.
بقلم:
ريم السباعي