دار في خاطري| ليت التاريخ يتحدث
ليت التاريخ يتحدث، ليخبر القاصي والداني عن أسراره المبهمة، تلك الحقائق التي طمست بقصد أو من دون قصد، حقائق الأيام الخوالي التي دلسها الماكرون، من أجل زيف أخبار تروق لهم، وأكاذيب أشاعوها، وأذاعوها، ونشروها، ودونوها، وتناقلتها الأجيال بجهل يلامون به وعليه، أو ربما لا يلامون فهذا ليس بخطئهم.
أيها التاريخ تكلم لتنصف أقواما قد ظلمتهم أقلاما وألسنة كاذبة، أيها التاريخ تكلم لتظهر مواقف بطولية لعظماء دنسها الجبناء، أيها التاريخ تكلم لتزيح الستار الأسود عن حقب من نور شاء لها المفسدون أن تبقى في الظلام، أيها التاريخ تكلم وقل الحق حقا، والباطل باطلا، قل من هو الظالم ومن المظلوم، قل أين النور! وأين الظلام؟!
لماذا لا تتكلم أيها التاريخ؟! هل ألجمت لسانك بمحض إرادتك؟! أم أجبروك على الصمت ليخفون آثار فسادهم، وتدميرهم، وظلمهم، وغدرهم؟! هل أسكتوك بعدما خضبوا وجهك بالدماء لتبقى أنت الأبكم المُدمّى الذي يتحدثون بلسانه؟! لا! أيها التاريخ لا تبقى صامتا، تحدث عمن قص لسانه وكسرت يداه لكي تموت الحقيقة بموته، تحدث عن أصحاب معسول الكلام ممن يجدون لكلامهم آذانا صاغية، فيظلمون وينشرون أكاذيبهم من أجل مصالحهم الخاصة، تحدث عن الظالمين الفاسدين الذين برزوا في ثياب الصالحين المصلحين وغيبوا عقول من حولهم، وقلبوا الأمور رأسا على عقب، فأنصفهم المغيبون، تحدث عن الحاقدين ممن أخبروا الناس عن الخير بأنه شرا، فنبذه الجميع وتفادوه.
إن الإنسان في كل مكان على مر الزمان أنانيا وإن اختلفت أشكال تلك الأنا، عدائيا إذا تعارضت المواقف والأشخاص مع مصلحته الخاصة، يركض خلف المال ركضا، ويسعى إلى الأضواء سعيا، يريد القوي الحصول على كل شيء ليبقى الضعيف بلا أي شيء، صديقه من يؤيده وإن كان مخطئا، وعدوه من يخالفه في الرأي والفكر، اتخذ من الأديان ستارا لأغراض دنيوية، ومن القوانين أصفادا يصفد بها من لا نفوذ له.
أنت تعلم أيها التاريخ ذلك جيدا، فتكلم ولا تبقى صامتا، أخبر الناس الحقيقة ولا تبقيها سرا مكنونا بين أضلعك، تحدث عن الماضي الغابر والأزمان الساحقة، حتى يعلم الحاضر بأن الماضي لم يمت، إلى متى ستبقى صامتا؟! إلى متى ستبقى كاتما لأسرار لابد لها أن تكشف؟! إلى أن تحدث الأرض أخبارها حين يأذن لها ربها؟!!