التاريخ خير معلم، ومن لا يطالع دروسه فلن يتعلم، ومن أبزر ما تسطره كتب التاريخ ما يعرف باسم “الشدة المستنصرية” وهي تلك المجاعة، في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، والتي صاحبتها السرقة، والنهب، وأكل الحيوانات، وظهور آكلي لحوم البشر، فهل تتخيل أزمة تفعل هكذا؟
أسباب الشدة المستنصرية
تشير الروايات التاريخية إلى استشراء الفساد في القرن الخامس نتيجة تدخل “أم الخليفة” في شئون الحكم، ما أدى إلى سوء الأوضاع سياسياً واقتصاديا، فحصلت المجاعة نتيجة جفاف مياه نهر النيل وذلك هو السبب الرئيسي، فيما حدثت “الشدة المستنصرية” نتيجة عدة أسباب جميعها يندرج تحت إطار الفساد.
ماذا روى المؤرخون عن الشدة المستنصرية؟
روى البغدادي أحداثا لا يصدقها العقل والمنطق فيما يخص “الشدة المستنصرية” في مصر، فقد قال عنها “تزايدت الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا، حيث كان في بداية الأمر يقطعون الطرقات ليقتلوا من بها حتى يأخذوا لحمه ويأكلوه، وقد صنعوا الخطاطيف لانتشال الناس والكلاب والمواشي وهم يجلسون في أعلى بيوتهم”.
وقد تحدث ابن إياس أيضًا عن واقعة من أبشع الوقائع “الشدة المستنصرية” في مصر، حيث وثق المشهد امرأة تحتضن زوجها الميت وتأكل من لحمه حتى كادت الجثة تنفجر. لقد وصلت الأزمة إلى ذروتها، للدرجة التي دفعت الناس إلى بيع كافة الممتلكات من أجل شراء رغيف من الخبز فقط، والذي سعره وصل حينها إلى 50 دينارا.
وذكر سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان أن امرأة خرجت ومعها قدر ربع جوهر من اللؤلؤ، فقالت من يأخذ مني هذا الجوهر ويعطيني عوضه قمحًا؟! فلم تجد من يأخذه منها. فقالت: إذا لم تنفعني وقت الضائقة فلا حاجة لي بك، وألقته على الأرض وانصرفت. فالعجب أن ظل اللؤلؤ مرميًا على الأرض ثلاثة أيام ولم يوجد من يلتقطه!.
وحكى ابن الأثير أنه اشتد الغلاء، حتى حكى أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، وباعت عروضا تساوي ألف دينار بثلاث مائة دينار، فاشترت بها شوالًا من القمح، فانتهبه الناس، فنهبت هي منه، فحصل لها ما خبز رغيفًا، لقد استثمرت هذه الفواجع مودية بحياة الآلاف من البشر، حتى قيل إنه قد مات نحو ثلثي سكان مصر خلال الشدة المستنصرية.
بدر الدين الجمالي ونهاية الأزمة
في عام 1573، انتهت “الشدة المستنصرية” في مصر بنهاية المطاف على يد بدر الدين بن عبد الله الجمالي، وذلك بعدما استغاث به الخليفة المستنصر بالله ليعيد العدل والحياة مرة أخرى في مصر، فقد حارب الجنود الفاسدين وأصلح نظام الري بعد أن تم حل أزمة المياه بحكمة من الله، ثم اتجه الجمالي إلى ترميم القاهرة وإعادة تعمير البلاد.
ولهذا السبب، أطلق المصريون اسم بدر الدين بن عبد الله الجمالي على أشهر الأحياء في مصر وهو حي الجمالية.
اقرأ أيضًا: من ملفات التاريخ| حروب الإلحاد.. كيف حدثت أول إبادة جماعية بسببها في العصر الحديث؟