في الوقت الذي يتابع الملايين حول العالم مباريات كأس الأمم الأوروبية “اليورو” كان هناك مباريات لا تقل أهمية ولا ضراوة تجري في عدة دول أوروبية، مباريات ربما تسهم في تغيير الثقافة الأوروبية لسنوات، ومن بينها صعود اليمين المتطرف، وفوزه في فرنسا بنتائج كبيرة، في المرحلة الأولى، كما أصبحت الأحزاب “اليمينية المتطرفة” أو “اليمينية المتشددة” أو “القومية الشعبوية” جزءاً من الحكومات الائتلافية في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، منها هولندا وإيطاليا وفنلندا، بجانب النجاح الهائل لحزب “البديل من أجل ألمانيا” المثير للجدل والمناهض للهجرة.
كان المهاجرون العرب في فرنسا يخشون تبعات نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية والتي شهدت صعود اليمين المتطرف، لا سيما وقد سبق ذلك انتخابات برلمانية على مستوى الاتحاد الأوروبي صعد فيها اليمين المتطرف للمقدمة بقوة، ولكن كان لليسار والوسط كلمة أخيرة، بعد عودته سريعا في نتائج الجولة الثانية وحصده عددا أكبر من المقاعد، يحول دون حصول اليمين على الأغلبية، وهنا نؤكد أهمية الوعي لدى الناخبين بمآلات اختياراتهم،
وفي منشور حملته الانتخابية، ذكر حزب التجمع الوطني أنه يريد “وقف تدفق المهاجرين” من خلال “الحد بشكل كبير من الهجرة القانونية وغير الشرعية” و”طرد الجانحين الأجانب”.
ولتنفيذ هذه الإجراءات، يريد الزعيم جوردان بارديلا أن يقدم إلى البرلمان “قانون طوارئ” بشأن الهجرة إذا حصل حزبه على الأغلبية المطلقة، 289 مقعدا على الأقل، لتسهيل طرد الأجانب الجناة، عن طريق رفع القيود الإدارية الحالية. بجانب إلغاء “حق الأرض”، أي الحق في الحصول على جنسية بلد ما بسبب الولادة هناك، إذ في فرنسا، وكذلك تعديل المساعدة الطبية الحكومية، والمساعدة الطبية التي تمولها الدولة للمهاجرين غير الشرعيين، والذي يغطي حاليا 100% من التكاليف الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. ويعتزم كذلك استبعاد مزدوجي الجنسية من الوصول إلى المناصب العليا او الاستفادة من السكن الاجتماعي.
صعود اليمين المتطرف في أوروبا سيؤثر على الدعم الأوروبي لدول الشرق الأوسط بعدة طرق، ومن بينها حجم المساعدات الإنسانية والتنموية، فمن المتوقع أن تنخفض قدرة الدول الأوروبية على تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية للدول الشرقية، حيث قد تتأثر تلك البرامج بالتركيز على القضايا المحلية أكثر من القضايا الخارجية، كما يرى مراقبون أن احتمالية فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية سيؤدي إلى زيادة مشاركات الدول الأوروبية في حلف الناتو من 2% من إجمالي دخلها ليصل إلى 3%.
وحول السياسات الخارجية والتعاون الدولي، فقد يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى تقليص التعاون الدولي والدبلوماسية مع دول الشرق الأوسط، خاصة إذا كانت هناك توجهات تركز على القضايا الداخلية والحدودية بشكل أكبر، وقد تشهد الدول الأوروبية تشديدًا على السياسات المتعلقة بالهجرة واللجوء، مما قد يؤثر على اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط الذين يسعون إلى الوصول إلى أوروبا للبحث عن الأمان والفرص.
ومع حرص الكثير من الاقتصادات على تعظيم التعاون مع الدول الكبرى، فمن المتوقع في ملفات التجارة والاقتصاد أن تؤثر التوترات السياسية والاجتماعية الناجمة عن صعود اليمين المتطرف في أوروبا على العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول الشرق الأوسط، مما يمكن أن يؤثر على التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة.
من المتوقع أن يكون هناك توجها أكثر صرامة تجاه المهاجرين في عدد كبير من الدول الأوروبية، وهو ما يعنى بالتبعية تفاقم الوضع في عدد من الدول الأكثر استقبالا للاجئين، إن لم يتم وضع ضوابط وقوانين لإحكام السيطرة على هذه الملايين الوافدة، بجانب تحمل المجتمع الدولي لمسئولياته تجاه هذا الملف المهم.
تشير التوقعات إلى أنه على الشباب الراغب في الهجرة مستقبلا إلى أي من الدول التي يسيطر فيها اليمين أن يكونوا على وعي بارتفاع وتيرة خطاب الكراهية والإسلاموفبيا وغيرها من الموضوعات التي ستطفو على السطح بقوة، مجددا، ما يؤدي لزيادة المشكلات الصحية المتوقعة من التوتر والقلق والاكتئاب. كذلك ستتأثر أسواق العمل المتاحة للوافدين أو المهاجرين، وهو ما يجعل قرار الهجرة أو السفر للخارج أكثر تعقيدا في السنوات المقبلة.