كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| أرجوك لا تتوقف عن القراءة

ينصح خبراء علم النفس بضرورة القراءة المتأنية لكتاب لمدة لا تقل عن 30 دقيقة يوميًا. القراءة في موضوع واحد لهذه المدة تصقل ملكات الذهن وقدرته على التفكير العميق والتخيل وباقي المهارات والملكات التي فقدناها جراء الإغراق في استخدام الحواسب الشخصية والهواتف الذكية في متابعة منصات التواصل الاجتماعي الممتلئة بالأكاذيب والقليل من الحقائق غير الهامة أيضًا.

يتناول عملاق الأدب العربي الأستاذ عباس محمود العقاد في أحد كتبه بعنوان “أنا” موضوع القراءة فيقول: “لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمرًا في تقدير الحساب وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب..

فكرتك أنت فكرة واحدة .. شعورك أنت شعور واحد .. خيالك أنت خيال فرد إذا قصرته عليك .. ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، أو لاقيت بشعورك شعورًا آخر، أو لاقيت بخيالك خيال غيرك .. فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين، أو أن الشعور يصبح شعورين، أو أن الخيال يصبح خيالين .. كلا .. وإنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات من الأفكار في القوة والعمق والامتداد. أنا لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة .. ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني .. ومهما يأكل الإنسان فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة، ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غير جسد واحد، ومهما يتنقل في البلاد فإنه لن يستطيع أن يحل في مكانين. ولكنه بزاد الفكر والشعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات في عمر واحد، ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله كما يتضاعف الشعور بالحب المتبادل، وتتضاعف الصورة بين مرآتين”.

أما السؤال المنطقي عن ماذا نقرأ فإن الكاتب الكبير أنيس منصور يلخص الإجابة قائلاً: “اقرأ أي شيء” ويُفسر ذلك قائلاً: “رأيي الخاص: أن أي شيء.. أي ورق يقع في يدك يجب أن تقرأه، المهم أن تكون القراءة عادة.. وأن تصاحبها لذة المعرفة.. ولا خوف على هذا القارئ الذي يبحث عن الكلام اللذيذ.. عن الموضوعات الممتعة، لأن هدف القراءة هو أن تتحقق المتعة والبهجة لديك.. وهذه المتعة هي التي تجعلك لا تتوقف عن القراءة. ولذلك فالآباء يجب ألا يخافوا من أي شيء يقرأه الابن صغيرًا كان أو كبيرًا.. المهم أن يكون هناك كتاب.. وأن يكون هناك حرص على شرائه والاحتفاظ به بعد ذلك نواة لمكتبة خاصة”.

والحقيقة أنه وبالرغم من انتشار مصادر أخرى للمعرفة مرئية ومسموعة إلا أنه يبقى للكتاب سحر خاص، هذا السحر ليس مجازًا وليس محاولة لجذب الناس إلى الكتاب ولكنه حالة ذهنية ولذة لا يعرفها إلا من يقرأ، وهي لذة لا يمكن وصفها إلا بالتجربة. أضف إلى هذا كم الثقافة والمعرفة والحكمة التي سيتمتع بها القارئ والتي ستفرقه بسرعة وبوضوح عن من يستمد معلوماته وثقافته من مصادر مرئية أو شفهية مسموعة أخرى، فارق يمكن أن تلحظه في أسلوب الكلام وأسلوب التصرف حيال أي موقف أو أمر من أمور الحياة. فما تقرأه سيستقر في الذهن وداخل العقل الباطن فيختلط مع أعصابك وخلاياك العصبية وتلافيف عقلك ويخرج إليك إنسان جديد يبهر من حوله بل وسيبهر صاحبه أيضًا.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى