كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| الريلز والتركيز

أجيال الزمن الجميل تتذكر ما كان شعورها عندما شاهدت فيلمًا قصيرًا لأول مرة لا يزيد طوله عن ربع ساعة، وتذكر أيضًا ما هو شعورها عندما استمعت إلى أغنية قصيرة لا تزيد على ثلاث دقائق في سبعينيات القرن الماضي مقارنة بأغاني الزمن الأسبق حينما كانت الأغنية تستمر لساعة أو أكثر.

هذا الجيل أيضًا ما زال يتذكر كم أصيب بالغثيان والدوار عندما شاهد أول فيديو كليب في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، الأغنية قصيرة والكلمات غريبة والموسيقى صاخبة والتنقل بين المطرب والراقصين والمشاهد سريعًا.

كان هذا قبل عصر شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا مع نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة حينما انتشرت الهواتف الذكية وزادت سرعاتها وبدأت مقاطع الفيديو القصيرة في الانتشار، تلك التي يطلق عليها Short Videos أو Reels وهي التي تعطيك الرسالة في ثوانٍ معدودة قد لا تتعدى الدقيقة الواحدة إلا فيما ندر. فماذا كانت النتيجة؟

أصيب المستخدم بالضجر ولازمته هستيريا الانتقال من ريل إلى آخر بسرعة انتقال أطراف أصابعه من صورة لأخرى، كما جعلت تركيزه شبه منعدم وصبره قليل، فأصبح يرى أن أي مقطع يزيد على دقيقة يمكن اعتباره طويلاً أو مملاً. ولذلك فإن الجميع يتسابق لضغط الفكرة والمعلومة في أقل من ذلك مع التركيز لتكون البداية جاذبة وبراقة وأحيانًا صادمة أو جارحة، يحدث ذلك ببساطة لجذب الانتباه والسيطرة على المشاهد.

والنتيجة السلبية لذلك تتحدث عنها مختبرات العلوم واختبارات السلوكيات، وتنبه إلى مخاطر التعرض لتلك المقاطع القصيرة وخاصة على الأطفال. فالنتيجة تقترب بهم إلى حافة أمراض مثل التشتت وعدم التركيز واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، والنتيجة هي عدم القدرة على التركيز في الدراسة أو القراءة بشكل عام، كما تقوض العلاقات الإنسانية والاجتماعية.

فمن يتحدث معك لأكثر من دقيقة تراه مملاً وتفقد تركيزك وتريد أن يتركك ويذهب، وإن كان الحديث تليفونيًا فإنك تدعو الله أن يتوقف أو ينقطع الاتصال – لاحظ وقارن ذلك ببدايات استخدام التليفون حينما كانت المكالمات تستمر لساعات – والحقيقة أن الأمر لا يتوقف على التواصل والتركيز وحسب بل يشمل أيضًا اضطرابات أخرى كاضطرابات الهضم والنوم وآلام بالعضلات والعظام نتيجة الانتباه والشد العصبي المستمرين، ناهيك عن الحدة والعصبية وكذا أيضًا بلادة المشاعر نتيجة التغيرات السريعة في المواد المعروضة بين الفرح والحزن والخطر والهزل والدين والإلحاد والعفة والإباحية، كل ذلك يتم في دقائق معدودة ولا أدري كيف ولا ماذا سيفرز عقل الإنسان للتواؤم مع كل تلك الأضداد في نفس الوقت، أمر مشابه لحالة المعدة عندما يتحتم عليها أن تقوم بهضم السمك واللبن والتمر الهندي في آن واحد.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى