رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| صنع في مصر: الرهان على المستقبل
“صنع في مصر” ليس مجرد شعار يزين المنتجات الوطنية، بل هو رؤية استراتيجية تعكس طموح أمة تسعى لتحقيق اكتفائها الذاتي والانطلاق نحو المنافسة في الأسواق العالمية. في ظل تحديات اقتصادية عالمية وإقليمية، أصبح تعزيز الصناعة المحلية ضرورة لا رفاهية. فهي ليست فقط مفتاح تقليص فاتورة الاستيراد، بل هي أيضًا البوابة لتحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص العمل.
يمثل الاعتماد على الصناعة المحلية حجر الزاوية في بناء اقتصاد قوي ومتنوع. ففي عالم يتغير بسرعة، تتحول الدول من الاعتماد المفرط على الخارج إلى بناء قدراتها الذاتية، وهو ما يعزز مناعتها الاقتصادية. ومن هذا المنطلق، لا يُنظر إلى الصناعة كوسيلة لتحقيق الاكتفاء الذاتي فقط، بل أيضًا كأداة لتحقيق توازن تجاري إيجابي يساهم في تحسين قيمة العملة المحلية ودعم ميزان المدفوعات.
تطوير الصناعة المحلية لا يقتصر على تحسين خطوط الإنتاج، بل يتطلب الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة والابتكار. فالصناعات القائمة على المعرفة والتقنيات المتقدمة أصبحت اليوم معيارًا أساسيًا لقياس تطور الدول. ومصر، بمواردها الطبيعية والبشرية، تمتلك جميع المقومات التي تؤهلها لتكون قاعدة صناعية إقليمية وعالمية.
لكن الطريق نحو هذا الهدف ليس سهلاً. إذ تحتاج مصر إلى سياسات داعمة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، مع العمل على تحسين مناخ الأعمال وإزالة العقبات البيروقراطية التي تعرقل تطور الصناعة. فالدول الناجحة هي التي تضع الصناعة في قلب خططها التنموية، وتوفر لها البيئة المواتية للنمو، بدءًا من تسهيلات التمويل ووصولًا إلى البنية التحتية الحديثة.
علاوة على ذلك، تُعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة عماد الاقتصاد الوطني، حيث تسهم بشكل كبير في تعزيز الإنتاجية وتوفير فرص العمل. ومن هنا يتعين على مصر تطوير سياسات تدعم هذه الصناعات، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الصناعات الغذائية والهندسية والدوائية.
أما التحدي الأكبر فهو تغيير ثقافة المستهلك المصري نحو تفضيل المنتج المحلي على المستورد. لتحقيق ذلك، يجب تحسين جودة المنتجات المصرية لتنافس نظيرتها العالمية، مع تقديمها بأسعار تنافسية. كما يلعب الإعلام دورًا محوريًا في تعزيز الوعي بأهمية دعم المنتجات الوطنية وتأثيرها الإيجابي على الاقتصاد.
“صنع في مصر” ليس مجرد هدف اقتصادي، بل هو مشروع وطني يتطلب تكاتف جميع الجهود، من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. إنه استثمار في المستقبل، يهدف إلى بناء اقتصاد مستقل وقوي، يحقق الرفاهية لأبنائه، ويجعل مصر في مقدمة الدول الصناعية.