ذات ليلة بعد منتصف الليل، سمعت طفلي الصغير يتحدث بصوتٍ عالٍ، يضحك بشدة تارة، ويصمت أخرى، وما إن دلفت إلى غرفته، وجدته يجلس في منتصفها، تحاوطه الألعاب من كل جانب ويتحدث إلى أحدهم ويلهو برفقته.
لكني فوجئت أن الغرفة خالية تمامًا وأنه يتحدث إلى الفراغ! وما إن خطت قدماي الغرفة ببطء شديد، حتى وصلت إلى صغيري ووقفت أمامه انظر إليه، صرخ بشدة وأخبرني أنني دهست صديقه “آدم“، هل منزلي مسكون وطفلي معرض للخطر؟.. أشعر بخوف يمزق قلبي، هل صغيري بخير؟
هذا المشهد ربما يتكرر كثيرًا للعديد من الآباء والأمهات، لذا خصصنا هذه المساحة يا عزيزتي لنتعرف سويًا على هذه الظاهرة وكيف يمكنكِ التعامل مع طفلك بشكل صحيح.
هل يمكن أن يمتلك الطفل صديقًا وهميًا؟
يحمل بعض الأطفال هبة الخيال والقدرة العظيمة على ابتكار مواقف غير حقيقة، وشخصيات يحيا برفقتها، وهو ما يطلق عليه ” ظاهرة الصديق الخيالي“، وهي ظاهرة نفسية تحدث في سن الطفولة، وتمتد في بعض الأحيان إلى مرحلة المراهقة.
فبناءً على دراسات عدة أقيمت حول معايشة الأطفال لظاهرة التحدث مع شخص مبهم لا يرى، فأثبت أن طفلًا من بين 5 أطفال من سن 3 إلى 6 سنوات، يمتلك صديقًا خياليًا، فيبتكر طفلك صديقًا من وحي أفكاره، ويطلق عليه اسمًا أحبه أو ربما سمعه في إحدى أفلام الكارتون أو بطل إحدى كتبه وقصصه.
فيتحدث ويضحك ويلهو مع كائن غير مرئي، يجلس بجواره على مائدة الطعام، ويحجز له مقعد في السيارة ويمنع أحدًا من الاقتراب منه، كما ينام بجانبه في سريره، ويصرخ عليكِ إذا دهستيه يا عزيزتي أو جلستِ مكانه أو حاولتِ منعه من اللعب برفقته، وتتضمن لائحة الأصدقاء الخياليين، بعض الدمى والألعاب، بالإضافة إلى الكائنات الخرافية، أو ربما حيوان أليف لا يراه غيره.
عندما ينضج الطفل قليلًا ويندمج مع مجتمع الأطفال، سيتلاشى الخيالي، وسيخبركِ الصغير أن صديقه رحل بعيدًا، ثم بمرور الوقت لن يذكره من جديد، كما عليكِ معرفة أن الصديق الخيالي يعكس مشاعر الطفل وأفكاره، فيمكنك استنتاج مخاوفه واحتياجاته من القصص التي يختلقها عن ذلك الوهمي، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يوبخه، كما يفعل والديه معه، فهو مرآته غير الواقعية لكنها تعكس ما يحمله قلبه وعقله.
اقرأ أيضًا: يختبيء صغيرك من العالم الخارجي؟.. إليكِ كيفية تعزيز ثقة الطفل بنفسه
ما هي أسباب ابتكار الطفل للصديق الخيالي؟
1. عدم اعتناء الوالدين بالطفل بشكل كافي.
2. عدم محاولة فهم الطفل واستيعابه وبالتالي عدم التقرب منه ومشاركته.
3. عدم شعور الطفل بالأمان بين عائلته فيلجأ للخيال تعويضًا عن الواقع.
4. يحتاج الصغير أحيانًا إلى صديق يتقاسم معه مشاعره وانفعالاته وأفكاره، فكلما حاول الوالدين تكوين صداقة حقيقة معه قلت تلك الظاهرة بشكل كبير.
6. هناك ما يزعج الطفل ويغضبه لكنه يخشى الإفصاح عنه لوالديه، فيحتل ذلك الخيالي مكانة الصديق الذي بإمكانه أن يخبره مايحمله داخله دون خوف أو تردد.
هل وجود الصديق الخيالي يدعو للقلق؟
وجود الصديق الخيالي يعبر عن ذكاء الطفل وخياله الخصب فهي ظاهرة صحية، ولكن إذا زادت عن الحد الطبيعي، قد يتعرض الطفل إلى أزمة نفسية قد تؤدي إلى بعض الاضطرابات الانفصامية، مما يصيبه بالوحدة والانطواء ويمنع الطفل من التواصل مع الآخرين، والانخراط في الحياة الاجتماعية.
أيضًا من سلبيات الصديق الخيالي، اعتياد الطفل على الكذب باستمرار، والخلط بين الخيال والحقيقة وهو الأمر الذي يجب عليكِ يا عزيزتي الانتباه له بشدة، وإذا استمر وجود الصديق الخيالي إلى أكثر من عمر 6 سنوات، عليكِ اللجوء إلى طبيب نفسي أو استشاري نفسي أو أخصائي تعديل سلوك.
اقرأ أيضًا: كيف يمكنكِ غرس مهارات “التعاون” في طفلك الصغير؟
هناك بعض الإيجابيات التي تعود على طفلك بسبب وجود الصديق الوهمي ومنها:
1. تطور المهارات اللغوية للطفل.
2. تطور مستوى الإبداع والتخيل وتوسع مداركه، فلديه قدرة كبيرة على سرد القصص والحكايات بشكل واقعي.
3. ملء فراغ الطفل إذا كان وحيدًا دون أخوة.
4. يشارك الطفل مشاعره معه ويعبر عما يحويه قلبه.
5. يستمتع الطفل بقدرته على القيادة والتحكم بذلك الخيالي، مما ينمي داخله شعور الاستقلالية.
كيف يمكنك التعامل مع الطفل الذي يمتلك صديقًا خياليًا؟
عليك التعامل مع طفلك بحذر ووعي شديد، حتى لا يتعرض لصدمة نفسية أو تمتد الظاهرة معه لمراحل عمرية أخرى، فيجب على الوالدين أن يظهرا تقدريهما للصديق الخيالي، فإذا طلب منكِ طفلك اصطحاب صديقه لنزهة عائلية أو تناول الطعام معه، وافقي على الفور، كما عليكِ مشاركة طفلك ألعابه واهتماماته، فسيساعدك ذلك على التواصل مع صغيرك بشكل أفضل ووضع حدود لتصرفاته أحيانًا.
ولأن الصديق الخيالي هو صورة طبق الأصل من الطفل، فعليكِ الحديث معه حول صديقه، وطرح الأسئلة التي قد تساعدك على فهم طفلك وطبيعة ما يشعر به، وما هي مخاوفه وما يحزنه لتساعده على الخروج إلى العالم الواقعي، كما يمكنكِ أن تطلبي منه ألا يتحدث بلسانه، ويعبر عن رأيه فقط بطريقة مباشرة دون الآخر.
عليكِ يا عزيزتي أيضًا عدم تعنيف الطفل ومعاقبته إذا وجدتيه يتحدث مع الصديق الوهمي، ولا تنكري أو ترفضي وجوده، كما أنه عند ارتكاب طفلكِ خطأ ما، سيسرع لإلقاء اللوم على صديقه الخيالي، فعليكِ تصحيح الصورة بعض الشيء وإخباره أنه لن يستطيع فعل ذلك، لتساعديه على تقبل خطأه ومحاولة إصلاحه بنفسه بمساندة صغيرة منك.
وبسبب تعلقه الشديد بصديقه، قد يطلب منه أن يحضر له الطعام أو يجلب له كوب عصير أو لعبة عليه إحضارها من الغرفة، فيجب عليكِ تبديل الأمور ليساعد هو ذلك الصديق، حتى تزرع داخله القدرة على الاعتماد على النفس والثقة بها.
عليكِ أيضًا يا عزيزتي عدم ترك الطفل يجلس بمفرده لوقت طويل، مع المراقبة الدائمة، كما عليكِ مساعدة الطفل على اكتشاف المجتمع الواقعي، فمن الضروري تكوين صداقات للطفل من فئات عمرية متقاربة بعيدًا عن ذلك الخيالي، لذلك يمكنكِ اصطحابه إلى النادي أو التعرف على أحد أطفال الجيران، أو الذهاب للتنزه برفقة أطفال العائلة حتى لا يشعر بالوحدة.
في الختام دعيني أخبرك أن عليكِ محاولة إقناع طفلكِ أن ذلك الصديق ما هو إلا خيال، فمن الممكن أن تجسديه له في صورة روسومات وقصة، من أجل أن يدرك أنه خيالي وليس حقيقي كما يظن.
اقرأ أيضًا: 5 حلول مبتكرة لتنمية تفكير طفلكِ ومهاراته