جلال الدين الرومي.. رائد العشق والتصوف
“ما ضرك لو أطفأ هذا العالم أضواءه كلها في وجهك، ما دام النور في قلبك متوهجًا“.. جلال الدين الرومي.
في إحدى ليالي ديسمبر حيث لحظات رحيل الرومي، ستشعر أن جسده غادر لكن روحه ما زالت ترفرف، تتجول من مدينة لأخرى، فتغمض عينيك ويجول في خاطرك رقصة الدراويش على أنغام موسيقية، وأشعار جلال الدين الرومي تتردد حولك، لتخترق قلبك بسلام هاديء وخفة فريدة.
ثم تأخذك روحك في رحلة إلى قونية حيث شمس التبريزي، لتخطو نحو بيته، إلى 40 عامًا من الحكايات والليالي التي جمعته برفيق روحه “جلال الدين الرومي“، حيث تآلفت القلوب والأرواح، حتى توشك لحظة فراق الصديقين، غادر مسرعًا كي لا يتملك الحزن من قلبك مثلما حدث للرومي.
مولانا جلال الدين الرومي
هو “محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي“، ولد في أفغانستان عام 1207، وعندما بلغ الرابعة من عمره، انتقل مع أبيه الملقب ب “سلطان العارفين” إلى بغداد، والتحق بالمدرسة المستنصرية آنذاك، وما إن لبث والده في التجول للبدان كان يرافقه الرومي، حتى استقر في قونية وسط تركيا في عهد دولة السلاجقة الأتراك.
عين والده بدعوة من حاكم الأناضول، مديرًا على مدرستها، نسبة لعظمة علمه ومعرفته، حتى تلقى الرومي العلوم الإسلامية على يد والده، إلى أن توفى بعد تسع سنوات، مخلفًا وراءه الفقيه جلال الدين الرومي، فتولى التدريس بقونية في أربع مدارس مختلفة، فهو أديب وفقيه حنفي وعالم دين، كما كان الرومي يتجول من بلدٍ لآخر بحثًا عن العلم والذات، حتى حان موعد تلك اللحظة الفارقة في مسيرة الرومي التي قلبت حياته رأسًا على عقب وهي لقاؤه ب “شمس التبريزي“.
اقرأ أيضًا: “شمس التبريزي”.. معلم العشق الإلهي
الرومي وشمس التبريزي
عام 1244م، التقى الرومي بشمس التبريزي، فترك التدريس واتجه بكل جوارحه نحو التصوف، والأشعار والموسيقى والحب الإلهي، جمعتهم الصوفية، حتى أصبح لا يفترقان أبدًا، مما أثار حسد محبيهم ومعارضيهم.
فكانوا بمثابة روح واحدة في جسدين مختلفين، حتى تلك الليلة التي فرقهما فيها الموت، بمقتل التبريزي عام 1248م، اجتاح قلب الرومي حزنًا مرير، كأن أحدهم اغتال روحه لكنه ما زال حي، مما انعكس على أشعار الرومي، فكتب “ديوان شمس التبريزي“، في ذكرى موت عزيزه وملهمه، كما كتب عنه أكثر من أربعين بيت شعر وخمسين قصيدة نثرية.
“من ذا الذي قال إن شمس الروح الخالدة قد ماتت؟ ومن الذي تجرأ على القول بأن شمس الأمل قد ولت؟ إن هذا ليس إلا عدوًا للشمس وقف تحت سقف وعصب كلتا عينيه ثم صاح ها هي الشمس تموت“.
جلال الدين الرومي
قواعد العشق الأربعون
رواية قواعد العشق الأربعون، أوضحت مدى تأثير جلال الدين الرومي على الثقافة الحديثة، للكاتبة التركية “أليف شفق” عام 2010، اعتبرت من أشهر روايات العصر الحديث، كما استوحت أحداثها من السيرة الذاتية لجلال الدين الرومي، وتحدثت عن علاقته الروحية الطويلة بالتبريزي وكيف أثر كلًا منهم بالآخر، كما حققت ناجحًا باهرًا حول العالم، وترجمت إلى لغات عدة، واحتلت قائمة الكتب الأكثر مبيعًا عالمًا.
اقرأ أيضًا: “إليف شفق” .. كاتبة أبدعت في الأدب الصوفي من خلال “قواعد العشق الأربعون”
زعيم المولوية
اعتبر جلال الدين الرومي رائد الصوفية، كما تعددت ألقابه، فهو سلطان العارفين، وأمير العاشقين، وإمام الدراويش ومولانا، فهو مؤسس الطريقة المولوية الصوفية، التي نظمها إبنه الأكبر “سلطان ولد” بعد وفاته، حيث اشتهرت بداوريشها ورقصتهم الدائرية الروحية على أشعار الرومي.
ومن أشهر مؤلفاته، المجالس السبعة، ورسائل المنبر، وديوان الغزل، والرباعيات ومجلدات المثنوي الستة وغيرها، كما ترجمت كتبه إلى لغات عديدة، وأثرت في ثقافات مختلفة وأجيال عدة حول العالم، توفى الرومي عام 1273 م عن عمر يناهز 67 عامًا، ودفن في مدينة قونية، حيث أصبح مدفنه مزارًا سياحيًا، يتوافد إليه عاشقو الصوفية منبلاد العالم.
وتخليدًا لذكرى رحليه في 17 ديسمبر، يحتفل مريدوه في المدينة كل عام بفاعليات “ليلة العروس“، إحياءً لذكرى العاشق الإلهي.