على مدار سنوات طويلة، عُرفت الهيئة المصرية العامة للكتاب بإبداعها الثقافي المتنوع والمواكب للتطورات التي يشهدها العالم، سواء فيما يتعلق بإصداراتها أو المبادرات التي تبتكرها لتعزيز الوعي الفكري للمجتمع، أو فيما يتعلق بأكبر صرح ثقافي عربي وهو «معرض القاهرة الدولي للكتاب»، التي تسعى من خلاله إلى الارتقاء بالثقافة وجذب فئات المجتمع المختلفة إلى أهم سبل تعزيز الفكر والوعي وهي «القراءة».
كل هذه الإنجازات العريقة التي تشهدها الهيئة المصرية العامة للكتاب هي بقيادة رئيسها الدكتور «هيثم الحاج علي» الذي ساهم بشكل كبير في إحداث فارقًا ملحوظًا في المجتمع المصري بما يقدمه من إنجازات تسعى إلى الارتقاء بالمستوى المجتمعي الفكري.
في إطار ذلك كان لمنصة «كلمتنا» حوار ممتع مع د. هيثم الحاج علي حول القراءة ومعرض الكتاب وما هي خطة وإنجازات الهيئة المصرية العامة للكتاب، تسرده لكم في السطور التالية..
• شهد معرض الكتاب هذا العام تطورات كبيرة مثل التحول الرقمي وتوصيل الكتب والتقنيات الذكية.. كيف تساعد هذه التطورات أن يكون هناك إقبال جماهيري على المعرض؟
هذه التطورات هي إضافات غرضها الإقبال الجماهيري على القراءة وليس فقط المعرض، فضلًا عن تلقي الثقافة عمومًا، فمصر أصبحت واحدة من أعلى خمس دول في معدلات القراءة في العالم والأولى عربيًا، فنحن نحاول أن نستثمر هذا الأمر في استغلال كل الطرق الممكنة لترويج فكرة القراءة.
فالغرض من المنصة الإلكترونية والبيع الإلكتروني والكتاب الرقمي ثم الكتاب الصوتي الذي نحلم به، هو دعم صناعة النشر، والترويج لفكرة القراءة، وإيصال الرسالة الثقافية، فإذا كان عدد زوار المعرض كل عام يتراوح بين ثلاثة أو أربعة مليون شخص، فإن زوار المنصة الإلكترونية أضعاف هذا الرقم، وهذا يضمن أن القراءة تصبح داخل الإطار الذي نستهدفه.
• جناح الطفل كان له حضور متميز في الدورة الأخيرة وكان مواكبًا للتقنيات الحديثة.. فهل هناك تطوير في إصدارات الطفل يواكب تلك التقنيات؟
بالفعل، فنحن لم نُقم جناح الطفل بهذا الشكل المستقل والمتطور، إلا نتيجة وجود رؤية لتطوير فكرة النشر، فنحن أصدرنا كتب ألغاز وأحاجي “Puzzles”، وكتب ساخرة “Comics”، فضلًا عن الكتب الموجهة لفئة ما قبل سن المدرسة، وأصدرنا كتبًا للنشء المراهقين من سن 14 عامًا.
فالإقبال على هذه الكتب، منحنا الإمكانية والرؤية أن يكون هناك استقلال ما لمعرض كتاب الطفل الذي أقيم على هامش معرض الكتاب، فتطوير النشر كان قبل جناح المعرض، فالمعرض هو بلورة لرؤية كانت موجودة بالفعل من قبل.
• هل هناك طرق لرصد الفئات العمرية التي تقبل على شراء إصدارات الهيئة.. وهل هذا ينعكس على تحديد مشاريع النشر؟
بالفعل هناك طرق لرصد الفئات العمرية والكتب الأكثر مبيعًا والإقبال، فهي تتنوع بين طرق إلكترونية على المنصة، وبين الاستبيانات المباشرة اللي يجيب عليها جمهور المعرض، فنتيجة هذه الاستبيانات أكدت أن تقريبًا من 60% إلى 65% من جمهور المعرض مبدئيًا أو جمهور المنصة تحت سن الثلاثين.
• بعد الإقبال الضخم للشباب على معرض الكتاب.. ما هي فئة الكتب التي كانت الأكثر مبيعًا؟
الكتب الأكثر مبيعًا من إصدارات الهيئة هي الكتب التاريخية، أي الكتب التي تعالج موضوعات التاريخ والسياسة ثم تليها الروايات، هم الأكثر انتشارًا بين هذه الفئات العمرية.
كما أن الهيئة أطلقت مجموعة مبادرات تجعل الكتب الأصغر حجمًا “كتب الجيب” أو “غير المجلدات”، واحدة من العلامات التي تحدد لنا الأكثر مبيعًا من إصدارات الهيئة، فهذه معلومات يحدث بها إمداد للجان التي تعمل على الرؤى الاستراتيجية للنشر، وهو الأمر الذي يؤثر بدوره على طريقة النشر وطريقة وضع الخطط ليس فقط في المحتوى، ولكن في شكل الكتب وما هي الكتب الأكثر رواجًا والأخرى الأكثر جذبًا، وما هي أشكال الطبع الأكثر انتشارًا وهكذا.
أما فيما يتعلق بالأسعار، فهذه المعلومات تسمح لنا بمعرفة الأسعار الأكثر رواجًا بشكل ما، وما نقيم لها دراسات مستمرة، فنعرف من خلالها ما هي خطة النشر التي يمكننا تنفيذها على مستوى الشكل والمضمون وعلى مستوى الطباعة أيضًا لأنه يؤثر في جودة الطباعة، فنحن نحاول دائمًا الوصول لأعلى جودة ممكنة بأقل سعر ممكن.
• المشاركة المختلفة هذا العام لهيئات مثل العاصمة وهيئة الرقابة الإدارية.. هل هي مشاركة دائمة؟
في الحقيقة نحن نتمنى أن تكون مشاركة دائمة، فنحن نقدم التسهيلات الممكنة لكافة الهيئات التي تسهم في إيصال رسالة ثقافية واضحة بمختلف أشكال الثقافة، أي ليس فقط الثقافة المعتادة لكي تكون مشاركتها دائمة.
فكل الهيئات التي تشارك معنا مرة، تفضل تكرار المشاركة مرة أخرى وتطوريها، نظرًا للإقبال الشديد على معرض الكتاب وتطوره الكبير ومكانه وجمهوره وما إلى ذلك، كما أن لدينا المجال مفتوح لقبول هذا التطوير وتسهيله.
• في الآونة الأخيرة بدأ تواجد الكتب المزورة يقل بشكل ملحوظ.. كيف تمكنتم من تحقيق ذلك؟
هذه الخطة بدأناها منذ عام 2015 في المعرض وبالتعاون مع الكثير من الجهات مثل اتحاد الناشرين وشرطة الرقابة على المصنفات، وأحيانًا كنا نقوم بما يشبه الحملات المباشرة على الأجنحة التي من الممكن أن تعرض كتب بها تعدي على حقوق الملكية الفكرية أو تزوير أو ما إلى ذلك، فكان هدفنا هو الوصول لمعرض كتاب لا يحمل أي كتب مزورة أبدًا، فهذه الكتب باتت قليلة جدًا بعد التصدي لها.
كما أن هناك مجموعة من المخالفات أو البنود في لائحة المعرض حازمة للغاية في هذا الصدد، وقد علم الناشرين أن ليس هناك استثناءات في تطبيقها، وبالتالي أصبح وجود هذه الكتب قليل جدًا، بل وسهل اكتشافها والتعامل معها، فنحن نتمنى أن سوق النشر عمومًا يصل لهذه الحالة، وهو الأمر الذي نتعاون فيه مع اتحاد الناشرين ومع غيره من الهيئات الممكنة.
• من أهم مشاريع الهيئة العامة للكتاب إقامة معارض الكتب في المحافظات والجامعات.. كيف رصدتم إقبال الشباب على هذه المعارض؟
بدأ مشروع إقامة معرض الكتب في المحافظات والجامعات منذ حوالي خمس سنوات، وخلال هذه المدة وبرعاية وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم، أصبح لدينا ما يقارب 100 معرض على مستوى العام، وهي معارض موزعة على كل محافظات مصر تقريبًا، كما أننا نحاول دائمًا تطبيق الإجراءات الاحترازية للحماية من فيروس كورونا.
فأكبر فئة من الجمهور التي تشارك في هذه المعارض، هي جمهور الشباب، وهو الأمر الذي يشجعنا أن تكون هذه المعارض باستمرار هي المشروع الأهم لتوزيع وتسويق الكتب وفكرة القراءة على مدار العام، وهو ما نحاول تنفيذه ما بين جامعات وما بين محافظات ونوادي أيضًا، ففي الآونة الأخيرة أقمنا معرض جديد في إحدى المولات التجارية وهو “داندي مول”، ومعرض في مدينتي والمدن الجديدة أيضًا.
• هل هناك تحديث لمبادرة ثقافتك كتابك وكشك كتابك؟ وهل هناك مبادرات ثقافية سيتم إطلاقها مثل هذه المبادرات؟
مبادرة “ثقافتك كتابك” أطلقت من أجل ترويج الكتب الأقل سعرًا، أو الكتب الراكدة الموجودة في المخازن، التي نسوقها بأسعار محددة جدًا بالنسبة لناشري الوزارة وناشري القطاع الخاص، فالمبادرة بدأت مع معرض فيصل 2021، واستمرت في جميع منافذ هيئة الكتاب بمشاركة قطاعات الوزارة ثم بحماس شديد جدًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب، شارك الكثير من الناشرين في جناح خاص بهذه المبادرة، كما حظي هذا الجناح بإقبال كبير جدًا، فخلال حوالي 12 يومًا، تم بيع أكثر من ربع مليون نسخة مختلفة، سعرها يتراوح ما بين جنيه إلى عشرين جنيه.
فهذه المبادرات تساهم في الترويج لفكرة القراءة من ناحية، وتدعم الصناعة من ناحية أخرى وتساعد الناشرين على التخلص من مخزونهم من الكتب الراكدة، كما أن الجمهور يقبل على هذه الكتب لأنه لا يراها في الظروف العادية، وهذه المبادرات تساهم في وجود حركة دائمة للبيع وتنمي عوائد هذه الصناعة بالنسبة للوزارة أو للقطاع الخاص.
فتلك المبادرات فعالة جدًا على المستويات الاقتصادية والثقافية والصناعية أيضًا بشكل ما، فنحن نعمل على تطوير مثل هذه المبادرات، على سبيل المثال مبادرة كشك كتابك ستصبح متاحة كمنافذ بيع وإطلاع على الكتب ضمن قرى حياة كريمة، كما أننا بالفعل نعمل بالتعاون مع جميع مؤسسات الدولة من أجل أن تلقى هذه المبادرة أثرها وتصل الكتب إلى كل قرى مصر.
• كيف تساهم هذه المبادرات في تنمية الوعي والفكر الثقافي للشباب؟
المبادرات الثقافية التي لها علاقة بالكتب وتسويقها وتوزيعها وقراءتها، هي واحدة من أهم المشروعات التي ترعاها وزارة الثقافة، وهناك دائمًا حماس شديد لهذه المبادرات نظرًا لأثرها الواضح في بناء الوعي وبناء الشخصية المصرية، وهو من أهم أولويات وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم.
• في ظل التحول الرقمي.. ما هي مشاريع الهيئة الرقمية القادمة؟
في ظل التحول الرقمي، نحن بدأنا مجموعة مشروعات ونعكف على تطويرها، مثل مشروع منصة معرض الكتاب التي تضم لجنة تعكف على دراسة مكونات هذه المنصة، ثم تطوير هذه المكونات سواء كان بالإضافة أو الحذف أو التعديل والتطوير على مدار الفترة القادمة.
من أهم المشروعات القادمة أيضًا للهيئة، أنه قريبًا جدًا سيصبح لدينا تطبيق إليكتروني جديد، وهو سوق جديد لطباعة ونشر الكتب وتسويقها، سواء كانت الكتب الرقمية أو الكتب الورقية أو حتى الكتب الصوتية التي بدأنا دراسة مشروعها بشكل قوي للدخول في هذا المجال.
أظن أن المشاريع الرقمية لن تقف عند فكرة وجود كتاب رقمي أو توزيع رقمي للكتاب الورقي، ولكن سيصبح لدينا مجموعة كبيرة من الخدمات الثقافية التي ستقوم بها الهيئة فيما يتعلق بالقراءة والنشر.
• حدثنا عن تنوع إصدارات وأغلفة الهيئة العامة للكتاب في الفترة الأخيرة.
تنوع إصدارات وأغلفة الهيئة المصرية العامة الكتاب هو ضمن فكرة الرؤية الاستراتيجية للنشر، التي نحاول بناءها بما يتواكب مع كل الأهداف الممكنة وأولويات وخطة الدولة للتنمية ورؤية مصر 2030.
• حدثنا عن سلسلة “حكايات الولاد والأرض”.. وكم جزء صدر منها وهل ستستمر أم لا؟
سلسلة “حكايات الولاد والأرض” هي حكايات عن شهداء الجيش والشرطة والشهداء المصريين في سيناء، والحقيقة أنها من الممكن أن تتطور في الفترة القادمة، فقد صدر منها خمسة كتب و12 كوميكس، وهي مستمرة حتى الآن، ونحن ندرس تطويرها بحيث إنه يضاف إليها نطاقات زيادة للعمل في الفترة القادمة.
• ما هو رأيك فيما يقوله البعض أن جيل الشباب بمعزل عن القراءة؟
بالنسبة لعلاقة الشباب بالقراءة فكل ما يمكن أن يقال أن ترتيب مصر الخامس عالميًا بشهادة الإندبندنت في تقريرها السنوي، وذلك بمعدل قراءة سبع ساعات ونصف في الأسبوع لكل شخص، أي حوالي 800 مليون ساعة أسبوعيًا قراءة.
فهذه الإحصائية نتيجة لإقبال الشباب على القراءة، وهو عودة ما يمكن تسميته بالأكثر مبيعًا الحقيقي غير المزيف، فنحن لدينا جيل من الشباب الواعي بأهمية القراءة، والتي يراها عاملًا مهمًا من عوامل بناء الشخصية وليست مجرد ملء وقت فراغ.
• هل الهيئة لديها خطة لاستقطاب الشباب للقراءة؟
الشباب يختار ما يرغب في قراءته وهو الأمر الذي يسهل علينا مهمة جذب الشباب للقراءة، لكنه يضع على عاتقنا مهمة أكبر، وهي اختيار ما يمكن أن نقدمه للشباب من محتوى ليقرأه، وهذا ما نحاول أن نتواصل فيه مع ناشري القطاع الخاص من خلال البرنامج المهني في معرض القاهرة الدولي للكتاب، حتى نكون على علم بما يقرأه الشباب المصري، وكيف يمكن تعديل هذه الاتجاهات بحيث تصبح اتجاهات أكثر فائدة، بالنسبة للشباب وهو أهم أهدافنا الفترة القادمة.