“ابن رضوان المصري وإسهاماته” في مؤتمر التراث وترسيخ الهوية
تحدثت الدكتورة نورا عبد العظيم الباحثة في مركز تحقيق التراث بدار الكتب في مؤتمر التراث وترسيخ الهوية عن ابن رضوان المصري وإسهاماته في العصر الفاطمي”.
وهو من أشهر العلماء الموسوعين المصريين ولد في أواخر القرن الرابع الهجري بمدينة “الجيزة ” ونشأ في بيئة فقيرة فقد كان والده يعمل فرانًا لذا اضطر إلى العمل في صغره ليوفر نفقات تعليمه وما يحتاج إليه من كتب تعينه على الدراسة وقد ذكر عن نفسه فقال: “وأنا في السادسة أسلمت نفسي في التعليم ولما بلغت العاشرة انتقلت إلي المدينة العظمي وأجهدت نفسي في التعلم ولما أتممت أربع عشرة عامًا أخذت في تعلم علم الطب والفلسفة ولم يكن لي مال أنفق منه فلذلك عرض لي في التعلم صعوبة ومشقة فكنت مرة أتكسب بصناعة القضايا والنجوم ومرة بصناعة الطب ولم أزل كذلك وأنا في غاية الاجتهاد في التعليم حتى أتممت الثانية وثلاثين إلي يومي هذا أعمل تذكرة لي وأغيرها في كل سنة “.
وقد أطلع على العديد من الكتب التي مكنته من ممارسة مهنة الطب مثل كتب “أبقراط” و”جالينوس” وكتاب الحشائش” لديسقوريدس” وكتب” أرسطو طاليس “و”الإسكندر” وكتاب الحاوي” للرازي”وكذلك كتابات “الفارابي” والكثير غيرهم.
المحور الثاني- معاصرته لحكام الدولة الفاطمية: عاش “ابن رضوان” في ظل حكم الدولة الفاطمية وتعاقب خلال فترة حياته عدة خلفاء أولهم “الحاكم بأمر الله “الذي تولى الخلافة في عام 386هـ / 996م وتميزت فترة حكمه بالعدل وإقامة الشريعة الإسلامية، فقضى على نفوذ النصارى واليهود الذي كان مستشرياً قبل حكمه واستمر في الخلافة حتى عام 411هـ/1020م وتولي بعده ابنه “الظاهر لإعزاز دين الله” تحت وصاية عمته “ست الملك” وخلال حكمه عادت السيطرة لأهل الذمة من “اليهود” و”النصارى”حتى وفاته عام 427هـ/1035م حيث تولى الخلافة “المستنصر بالله” وبلغت سلطة “اليهود” أيامه أوجها لذلك ليس من المستغرب أن ينشط خلال تلك الفترة عدد غير قليل من الأطباء “اليهود” و”النصارى” أمثال “موسى بن اليعازر الإسرائيلي”، و”ابن كلس”، و”أبو الفتح منصور بن سهلان بن مقشر النصراني”، والكثير غيرهم، كذلك عم الفقر والجوع وسادت الفوضى واجتاحت الأوبئة أرض مصر أكثر من مرة وحصدت معها الألوف من الأرواح، كما عمت الفتن والحروب الأهلية حتى عام 466هـ/1073م حيث استدعى “المستنصر بالله” والي عكا أنذاك “بدر الجمالي” فأعاد الأمور إلى نصابها وقضى على المفسدين.
في هذه الظروف عاش “ابن رضوان “مجاهداً يشق طريقه بصعوبة متغلبًا على ظروف فقره ويتمه المبكر مواصلًا دراسته بنفسه دون تلقيه عن أستاذ حتى وصل إلى درجة عالية من الشهرة، فترأس أطباء مصر وأضفي على قسم الأطباء الذي وضعه “أبقراط”طابعًا عربيًا إسلاميًا، كما وضع قواعد مثالية يجب أن يتحلي بها كل من يزاول الطب منها: أن يكون الطبيب ذكيًا نظيف اليد واللسان كتومًا لأسرار المرضي عفيفًا في نظره وخصوصٌا في معالجة النساء موثوقًا مبتعًدا عن إعطائهن ما يسبب إسقاط الأجنة وألا يصف أي دواء لأي مريض إلا بعد الرؤية والتفكير والدراسة.
المحور الثالث – إسهاماته العلمية: كان له إسهامات في عدة مجالات لعل من أهمها إسهاماته في مجال الطب حيث أولي اهتمامًا خاصًا بالطب الإكلينيكي عن طريق معاينة المريض والتعرف على المرض بالنظر إلى هيئة أعضاء المريض وبشرته، وتفقد أعضائه الباطنية والخارجية، وطريقة نظره وكلامه ومشيته، والتعرف على نبض قلبه وعلى مزاجه عن طريق توجيه الأسئلة.
كذلك كان له إسهامات متعددة في علم الفلك ويرجع سبب تميزه في هذا العلم إلى تسجيله حدثًا مهمًا في هذا العلم فمنذ ألف عام حدث في الفضاء إنفجار نجمي عظيم في عام 397هـ/1006م وشوهد في كثير من من أنحاء الكرة الأرضية وسجله علماء الفلك في أنحاء العالم وسجله أيضًا “ابن رضوان” ووصف الحدث وهو في الثامنة عشرة من عمره بمنتهى الدقةمن حيث حجمه ومكانه وشدة إضاءته بالنسبة لكوكبي الزهرة والقمر.
لذا ذكرت المؤرخة “مارجريت دونسباخ” في كتابها عام 2006م أن مجموعة من علماء الفلك في إنجلترا وأستراليا في عام 1977م قرروا دراسة بقايا هذا الإنفجار النجمي الذي حدث عام 1006 م واستعانوا بتقارير الذين سجلوا هذا الحدث في العالم فلم يدلهم على مكانه إلا الإحداثيات التي ذكرها “ابن رضوان المصري”.
المحور الرابع- مؤلفاته: كان “ابن رضوان” غزير الإنتاج والتأليف ويروي أن كتبه قد تجاوزت المئة مؤلف ورسالة فُقِد معظمها وما بقى منها في الطب والأدوية حوالي ثلاث وستين مؤلفًا، لعل من أشهرها كتاب “دفع مضار الأبدان بأرض مصر ” ويتحدث فيه عن تأثير المناخ ولبيئة والهواء والمسكن على صحة الإنسان.