كاتب ومقال

دار في خاطري| ومضت الأيام والأعوام

بقلم: ريم السباعي

لقد مضى ربيعي، وأتى خريفي، وتساقطت أعوامي كما تتساقط الأوراق اليابسة، لتكشف عن ضعفي ووهني، فقد خارت قوتي، وقلت حركتي، ولم أعد امتلك سوى الذكريات، فهي تؤنس وحدتي حين تأخذني إلى عالمها البعيد حيث تلك الأيام الخالية.

ففي طفولتي كانت الأيام تتساقط من عمري، فأقول فعلت كذا بالأمس، أما الآن أسرع القطار فأصبحت تتساقط الأعوام والسنون، فمضيت أقول فعلت كذا منذ عشرة أعوام، أو عشرون عاما، فلقد أصبحت العقود تتساقط، أجل! إن القطار يسير بأقصى سرعته، ماحيا من خلفه القضبان حتى لا يعود، وهو أيضا لن يتوقف أبدا حتى يصل إلى محطته الأخيرة.

أما قطار الذكريات فهو يسير بي في الطريق المعاكس، ويتوقف بي عند محطات فارقة، أحداثا تتشابه ولكن الأدوار تختلف.

فمن كان بالأمس يرجوني ألا أفارقه، أصبحت اليوم أنا من أرجوه ألا يفارقني، ومن تركتهم من أجل ذاتي أو من أجلهم، اليوم هم يتركوني للأسباب نفسها، وفي الماضي قدمت الرعاية، واليوم أتلقاها، ولطالما قدمت النصيحة، واليوم أتلقى النصائح.

ما السبب وراء تغير الإنسان؟! أتراه تغير الأزمان؟! هل يجب على المرء أن يحيا مراحله العمرية مرتين؟! يكون في أولاها القوي الحازم الصارم، ويكون في آخرها الضعيف، الهزيل، المرغم على كل شيء؟!

أجل! فعندما يكون المرء في عنفوانه يصير القوي، القادر، الآمر، الناهي، فهو يشعر بأنه دائما على صواب فلابد أن يطاع، فيستخدم قوته وسلطته، فيسمع عندها ألف لا! ولكنه لا يستجيب لأنه يدرك أين الصواب وأين الخطأ، أما حين يصيبه الوهن فيطيع في صمت، فهو يعلم أن كلمة “لا” ليست مجدية، لأن علمه السابق بالصواب والخطأ يقول له بأن “لا” ليست في صالحه، فقد أصبح هو الضعيف يرعاه من كان بالأمس ضعيفا.

لقد تبدل الحال، وتبادلت الأدوار، وتغيرت الاهتمامات، فما كان بالأمس نفيسا قيما، أصبح اليوم رثا لا قيمة له، فهذا هو الإنسان يضحي بما هو قيم من أجل ما لا قيمة له، فيعيش حياته يجمع المال ويقتني كل ما يحب ويفضل، ويضيع في ذلك عمره وصحته، وعندما يهرم يكتشف بأن كل ما جمعه وحافظ عليه ما هي إلا أشياء رثة، وأنه فقد صحته وسعادته وراحته من اجلها.

إنه الإنسان لا يدرك قيمة الاشياء إلا بعد زوالها.

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى