ما أعجب هذا الزمان الذي نحيا به الآن!! لقد تغيرت الأشياء من حولنا، فتغيرت الأحوال، وتقلبت القلوب، وتحولت الكلمات، فحملت معاني متغيرة تسير حسب المواقف والأهواء، وغابت القدوة الصالحة ليحل محلها التافهون والجهلاء.
لقد تبدلت الأدوار، فأصبح ذو المال يلقى آذانا صاغية بكلماته مهما كانت تلك الكلمات جوفاء لا قيمة لها، وأحكامه وآرائه صائبة مهما بلغت من تعسف وتعنت، بينما المثقف يبقى لا قيمة له طالما لا يملك المال.
وإذا نظرت إلى التعليم ستجد المعلم قد ضاعت هيبته وأصبح محل سخرية من تلاميذه، بل أصبح بعضهم يسعى لإرضاء تلاميذه باعتبارهم أولياء نعمته حسب تقديره، ولذلك فقد تم إجراء جراحة ناجحة لاستئصال التربية من التعليم، فوهن بعدها التعليم، فلم يعد يهتم المعلم بما يحصله الطالب من العلم، أو الاهتمام بإتمام رسالته، فالمهم إذن هو جمع الأموال ليتحول التعليم إلى مشروع استثماري غير قابل للخسارة، ومن أجل ذلك تبدلت الأدوار فأصبح المعلم ينصاع إلى رغبات طلابه، وأصبح الطالب هو من بيده زمام الأمور.
وعندما تجد الطبيب عجز عن تشخيص المرض وبالتالي وصف العلاج الخاطئ، أو يقوم بإجراء جراحة خاطئة تضر بحياة المريض أو إنهائها، فعندئذ يلجأ بعض المرضي للتداوي بالطرق الطبيعية، أو بخبرتهم البسيطة عن الأدوية ومعرفة الأمراض، فتتبدل الأدوار فيصبح المريض يصف لنفسه الدواء بعد تشخيصه المبسط للمرض، بينما يلجأ بعض الأطباء لأطباء آخرين لعلاج أبناءهم بحجة أن ذلك المرض خارج تخصصه.
أما الأدب والأدباء فربما يفنى هذا الدور يوما ما، قديما كان للأديب والمفكر دورا هاما في تثقيف المجتمع، أما الآن مع إزدياد أعداد المتعلمين والقراء التي تناسبت عكسيا مع عدد المثقفين أصبح لكل فرد رأيه وفكره الذي يحاول جاهدا وبشتى الطرق فرضه على الآخرين وهو واثق تمام الثقة أنه الصواب دون سواه، بينما كان الأدباء والمفكرين قديما يسعون لترك الأثر الصالح بأن يكونوا قدوة دون سيطرة وتزمت، لذا فقد وجدوا من تأثر بهم، وساعد فكرهم في الإصلاح الفعلي في المجتمعات.
والآن أصبح الأدب يسير حسب أهواء من يقرأ له، فتبدلت الأدوار فأصبح القارئ هو من يملي على الأديب كيف يكون أدبه حسب رغبته وما يريد أن يقرأ، وأصبح الأديب ينتظر آراء القراء ليسطر قلمه ما يريدون، إلا قلة قليلة ممن يهوون الأدب المجدي، ولا أعني بذلك أن لابد للأديب أن يفرض آراءه على قرائه دون اعتراض منهم، بل أقصد ألا ينصاع للتدني الأخلاقي الذي يقصده الكثيرون خاصة بعض المراهقين، فلابد أن يرتقي كل ذي قلم بكلماته ليرتقي بعقل القارئ.
أما عن الفن الذي لا يخلو منه أي بيت فقد أصبح معظمه ينساق لأهواء الشارع، فبدلا من أن تقدم الأفلام والمسلسلات أفكارا هادفة تعالج المشكلات التي يتعرض لها المجتمع دون ترويج لها، فأصبحت تجسدها تجسيدا دون حلول بل زودتها بأفكار شيطانية تزيد من حدتها، كما أنها أصبحت تحاكي الانحطاط الأخلاقي، كما أن الأغاني أصبحت تقدم كلمات تفتقر إلى الرقي والجمال، فحملت كلمات سوقية تحط من قدر الإنسان، والحجة في ذلك هو أن ذلك فن شعبي.
لقد تبدلت الأدوار فأصبح الشارع هو من يفرض على الفن ما يقدمه، والفن يحاكيه طلبا للانتشار السريع، والركض خلف ملايين المشاهدات والتفاعلات وصولا إلى (الترند) فهذه هي سمات هذا العصر.
لقد أصبح الجميع يركض نحو الشهرة التي أصبحت تأتي بالتفاهات، فكلما تمتع المرء بقدر عال من التفاهة، كلما حصل على قدر أكبر من الشهرة، فأصبحوا يعيشون داخل عوالمهم الافتراضية التي يقاس فيها المرء بكثرة متابعيهم وإعجاباتهم، فتسلط الشهرة عليهم أضواءها فينالون المزيد والمزيد، وكلما زادت شهرتهم زادت تفاهاتهم، ولما لا فهم لا يرغبون في خسارة ذلك البريق الزائف الذي لا يأتي ولا يستمر إلا من خلال تلك التفاهات.
أما الأسرة فأصبح غياب الأب والأم سببا كافيا لتلبية رغبات الأبناء مهما كانت غير مقبولة، وهنا لا أعني الغياب خارج المنزل فقط ، بل أيضا غياب الانتباه والوعي، فتبدلت الأدوار لتصبح طاعة الآباء للأبناء فيما هو صحيح وخطأ تعويضا لهم عما يفقدونه من رعاية واهتمام.
إن ظهور هذه الظاهرة وهي تبدل الأدوار فهو في رأيي يرجع إلى عدة أسباب منها السعي وراء المال بالطرق المشروعة وغير المشروعة، حيث يتحول الإنسان إلى عبد لمن يكون سببا في كسبه للمال، أو بسبب السعي لنيل الشهرة سواء بالعمل الجيد أو السيء لا يهم الطريقة، المهم هو الوصول إلى تلك الشهرة، أما السبب الأهم هو قلة الوعي الديني الذي هو المؤشر للطريق الصحيح، فلقد أصبح إلمام الفرد بالدين مجرد قشور لا تحيد عن الخطأ، ناهيك عن الكثير من المعلومات الخاطئة التي لا تمت للدين بصلة.
والآن ما رأيك عزيزي القارئ هل توافقني الرأي في ظاهرة تبدل الأدوار أم لا؟ وفي رأيك هذه هي الأسباب؟ أم أن لديك رأي آخر؟