دار في خاطري| إذًا من يَدرس تاريخنا؟!
في الشهر الثاني من العام الدراسي دخل معلم التاريخ الجديد إلى الفصل ليستلم عمله ويكمل مسيرة المعلم السابق الذي حصل على ترقية ونقل إلى مكان جديد، نظر المعلم إلى وجوه الطلاب فإذا هي واجمة، فألقى عليهم تحية الصباح وقال: أعرفكم بنفسي، أنا معلم التاريخ، ثم عرفهم باسمه.
لم يرد المعلم البدء في شرح الدروس وهو يرى ذلك العبوس على وجوه الطلاب، فقال في محاولة لتبديده: فمن يحب التاريخ؟ فلم يجب أحد، فقال: إذًا جميعكم لا يحب التاريخ، فسأل سؤال آخر: لماذا لا تحبون التاريخ؟! وعندئذ أتته الإجابات كالسيل، ليستنتج منها أن التاريخ بالنسبة لهم ما هو إلا حكايات مملة مليئة بالأحداث، والأشخاص، والتواريخ التي تتحول إلى أحجيات في ورقة الامتحان، وبعدها يصبح الطلاب لا يعلمون منه شيئا، فعلى سبيل المثال لا يعلمون عن عبد المنعم رياض سوى أنه أحد ميادين القاهرة، وأحمد عرابي ما هو إلا إحدى محطات مترو الأنفاق، أما رمسيس فهو ذلك التمثال القابع في ميدان عرف باسمه، والآن لم يعد موجودا به.
شعر المعلم بحزن لما توصل إليه فقرر شرح التاريخ بشكل مختلف ومشوق حتى يجذب إليه الطلاب فيخرج من إطار الملل ليصل إلى حد الثقافة والعلم الضروري الذي لا غنى عنه.
ولكن قبل البدء في ذلك الأمر أراد توضيح شيئا هاما فمضى يقول: إن التاريخ هو أصل كل شيء، فلا شعب بلا تاريخ، ولا وطن بلا تاريخ، العلوم والطب والصيدلة والهندسة وغيرها لها تاريخ، حتى الآلات والأدوات والأجهزة لها تاريخ، فإذا أردنا معرفة أي شيء لابد من البحث في تاريخه، وإذا أردنا تطوير أو تغيير أي شيء درسنا تاريخه.
ولكن ماذا عن الشعوب؟! إن تاريخ أي أمة هو المرجع الذي يعود دائما إليه، فيتعلم من الأخطاء، ويستفيد من المواقف الصائبة، فإذا ضاع التاريخ ضاعت الأمة، لأن كل متربص بها سوف يدرس تاريخها بدقة وعناية، كي يعلم كيف يستطيع قهرها، خاصة وإن كان الشعب عن تاريخه غافل.
وعندئذ تبدد عبوس الطلاب، وبرقت عيونهم، فعلم أن تلك هي البداية الصحيحة، فمضى يرسم على السبورة رموز تدل على كل حقبة من التاريخ لتتشكل أمام الناظر من بعيد كلمة يقرأها بوضوح “مصر”.
بقلم:
ريم السباعي