كلام رجالة

محمد حافظ رجب.. عملاق الأدب المصري الذي يجهله مثقفوها

ما تزال صفحات التاريخ المصري مرصعة بنماذج أضاءت لنا الطريق..

منهم من نال حقه من الشهرة والأضواء ومنهم من آثر أن يعيش راهبا في محراب موهبته وإبداعه، ونحن نتجول في شوارع المدينة المصرية الأروع وعلى شاطئ الإسكندرية، هبت رياح الأدب والثقافة، تحمل في جنباتها بشرى ميلاد واحد من أنبغ أدباء مصر.

في عام 1935 ولد الأديب المصري الكبير محمد حافظ رجب، والذي يعد من أهم رواد التجديد في القصة العربية القصيرة، بما تركه من مجموعات قصصية متميزة، من بينها:
• غرباء، والكرة ورأس الرجل عام 1968

• مخلوقات براد الشاي المغلي 1979

• حماصة وقهقهات الحمير الذكية، واشتعال رأس الميت 1992

• طارق ليل الظلمات 1995

• رقصات مرحة لبغال البلدية 1999

• عشق كوب عصير الجوافة 2003

أقام الأديب محمد حافظ بمحافظة الإسكندرية، وارتحل إلى القاهرة فترة، عمل خلالها بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ثم عاد إلى لإسكندرية عام 1962، ليواصل الكتابة.

وحين نزل القاهرة ليثير الجدل بإبداعه التحق بالعمل فى المجلس الأعلى للثقافة مع الأديب يوسف السباعي، لكنه لم يحتمل قيود الوظيفة ولا صراع المثقفين فى زحام القاهرة الخانق؛ فطار إلى الإسكندرية مرة أخرى ليعتزل الناس ويعيش فى الظل حتى وفاته عن 86 عاما.

واستطاعت مكتبة الإسكندرية أن تُخرج محمد حافظ رجب من قوقعته، ليتمرد على أساتذته ويطلق صرخته: نحن جيل بلا أساتذة، والتي دفع ثمنها كبيرا، حيث هاجمه مثقفون كثر، ولم تسلط عليه الأضواء ربما بسببها، ليرحل هذا الرائد الذي ظلمه الجميع، دون أن يحصل على أي جائزة كبيرة، غير تقدير القراء والمبدعين.

بدأ أديبنا بائع محمصات، ليصبح وجوده في ميدان محطة الرمل وسط باعة الجرائد المعدومين والزبائن الأرستقراطيين ولغات وثقافات مختلفة، كان ذلك الخليط حافزا للكتابة عن متناقضات الحياة.

كما عمل بائع صحف في الإسكندرية التي ولد فيها عام 1935. وبعدها انتقل إلى القاهرة عمل مساعداً لرئيس الأرشيف في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب.

ذكرته الموسوعة الإنجليزية كأهم مجدد في القصة القصيرة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين. وربما لا يعلم البعض أن محمد حافظ رجب بدأ بكتابة مجموعة من المقالات تحت عنوان “كتاب وثوار” عن إميل زولا وديستويفسكي وفيكتور هوغو والشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وكانت تنشر أسبوعياً في مجلة “الفن” عام 1954.

في القاهرة سحقته تروس شوارعها التي لا تتوقف، فلم يجد من يكشف عن معدنه النفيس، غير الأستاذ يحيى حقي الذي قدم مجموعة “عيش وملح” وهي مجموعة مشتركة ضمّت، إضافة لقصص كاتبنا، قصصاً لعز الدين نجيب والدسوقي محمد ومحمد جاد وسيد خميس وعباس محمد عباس. وفي مقدمته أكد حقي أن هؤلاء الأدباء يبتدعون تياراً جديداً داخل الواقعية ووصف محمد حافظ رجب بأنه سبق زمانه بثلاثين عاماً وخلّص القصة من السرد الرتيب. كما كتب له الأستاذ إدوار الخراط مقدمة ضافية ومحبة لمجموعة “مخلوقات براد الشاي المغلي”، وكان هذا دأب الخراط الذى ظل يبشر بالاتجاهات السردية والشعرية الحديثة حتى أواخر أيامه.

اعتمدت كتابات “محمد حافظ رجب” على الجمل القصيرة غير المترابطة تضج بالصورة كمشاهد سينمائية ثلاثية الأبعاد والموسيقى والفن التشكيلي فيها استشراف لتشيؤ الإنسان وسيطرة التكنولوجيا على مجريات الأمور.

كتب “رجب” أول قصة له بعنوان: «الجلباب» سعيا للخروج من شرنقة واقعه الآلي، وقبل تأسيس اتحاد الكتاب، أسس «رابطة أدباء القطر المصري» مع المصور زكريا محمد عيسى، والتي ضمت عددا من عمال المطاعم المبدعين أدبيا، ولكن لم تنجح..

كما شارك فى صباه فى تأسيس الرابطة الثقافية للأدباء الناشئين، وبروحه المتمردة أسس رابطة أخرى هي «كتاب الطليعة» 1956، ورغم ذلك لم يحظَ بقدر كافٍ من التكريم، اللهم إلا جائزة أفضل قاص من اتحاد الكتاب عام 2007 واحتفاء مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية به عام 2012، وفي عام 2011 صدرت «الأعمال الكاملة لمحمد حافظ رجب.

ورغم أنه لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية، إلا أن إنتاجه الأدبي الغزير يضعه في صدارة المشهد الثقافي المصري، بعدما عرفته حوارى الإسكندرية وأرصفة المحطات بائعا للب والسجائر، وأوراق اليانصيب، وطاردته شرطة البلدية عبر ملاحقات، تركت فى نفسه أثرا داميا.

وفي فبراير من العام 2021، رحل عنا محمد حافظ رجب، أحد أهم رواد جيل الستينيات، وصاحب تجارب فريدة في القصة القصيرة، وفي جعبته قصصا كثيرة لم تُنشر بعد، وسيرته الذاتية بعنوان «مقاطع من سيرة ميم في سطور»، وبعض اليوميات التي لم تنشر..

تاركا خلفه الباب مفتوحا لسؤال لا يفارق رؤوسنا: من يكتشف اللؤلؤ والمرجان في أقاليم مصر المحروسة، ومن يفتش عن كنوزها الأدبية!

Related Articles

Back to top button