كاتب ومقال

رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| كوب 29.. صراع المناخ بين الواقع والطموح

وسط الأزمات العالمية المتشابكة، وفي مدينة باكو التي شهدت تجمعًا دوليًا لبحث قضايا المناخ، يبدو أن مؤتمر كوب 29 لمكافحة التغير المناخي هو ساحة أخرى للصراع بين الواقع والطموح، وبينما يتطلع العالم إلى قرارات جذرية تعيد ترتيب أولويات التحول المناخي، تتعثر المفاوضات أمام تحديات مرحلية وأخرى مزمنة، تعكس التباين الحاد في المصالح بين الدول. بعيدًا عن الخطابات الرسمية والبيانات الصحفية، تعاني قمم المناخ من إشكالية مستمرة تتمثل في الهوة بين الوعود والتنفيذ.

العرقلة المزمنة في التعريف الدقيق لـ”الدول الغنية” تبقى حجر عثرة في تمويل التحول المناخي، حيث تختلف الرؤى حول ما إذا كانت المسؤولية التاريخية للانبعاثات تقع فقط على عاتق الدول الصناعية التقليدية، أم أن الدول النامية المتقدمة صناعيًا مثل الصين والهند والسعودية يجب أن تتحمل نصيبًا أكبر من المسؤولية.

النتيجة؟ عقود من الاجتماعات دون اتفاق ملزم حول الالتزامات المالية المطلوبة لدعم الدول النامية، ما يُبقي مشاريع التحول المناخي في دائرة الانتظار.

ترامب في المشهد مجددًا: تأثير السياسة على المناخ

عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تُعيد إلى الأذهان سياساته السابقة تجاه اتفاقية باريس، حيث انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية في عهده الأول، معتبرًا أن الطاقات المستدامة عبء على الاقتصاد الأمريكي. واليوم، تعود سياسات ترامب لتشكل تحديًا مرحليًا أمام كوب 29، حيث يعيد تشكيل نفوذ الولايات المتحدة في هذا الملف.

تأثير ترامب لا يقتصر على الولايات المتحدة فقط؛ إذ إن سياساته ألهمت دولًا أخرى مثل الأرجنتين لإعادة النظر في مشاركتها في مؤتمرات المناخ، مما يعزز حالة الشك حول إمكانية تحقيق التوافق الدولي المطلوب.

التهجين .. كخيار واقعي

مع استمرار الخلافات الدولية حول التمويل والمسؤولية، يبدو أن العالم يتجه نحو ما يمكن تسميته بـ”تهجين الطاقة”، بدلاً من التخلي الكامل عن الطاقة الهيدروكربونية، تظهر سيناريوهات تدمج بين الطاقات التقليدية والمستدامة كحل مرحلي، يحقق توازنًا بين الاحتياجات الاقتصادية والبيئية.

ورغم الانتقادات لهذا النموذج، إلا أنه يقدم مقاربة واقعية للتعامل مع التباين في الإمكانيات والاحتياجات بين الدول، مع الأخذ في الاعتبار التقدم العلمي المتسارع في تقنيات الطاقات المتجددة.

التغيير من القاعدة .. دور الدول النامية

بينما تستمر الدول الكبرى في لعبة التراشق بالمسؤوليات، تبرز الدول النامية كميدان حيوي لتجربة الحلول المناخية المبتكرة. بنوك التنمية متعددة الأطراف قدمت التزامات مالية محدودة مقارنة بالطموحات المعلنة، لكنها تشير إلى بداية تحول في عقلية التمويل، حيث تستهدف تعبئة القطاع الخاص لدعم التحول المناخي في الدول النامية.

هذا التوجه يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الحلول يجب أن تكون شاملة ومتعددة الأطراف، مع إشراك الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني في آن واحد.

ما القادم؟

يبقى كوب 29 شاهدًا على التحديات المستمرة في مواجهة التغير المناخي. وبينما تتصاعد درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، تبدو الإرادة السياسية الدولية في سباق مع الزمن لتحقيق أهداف مناخية أكثر واقعية.

في النهاية، يبدو أن مؤتمر باكو لن يحقق تحولًا جذريًا، لكنه قد يرسم ملامح جديدة لتوازن عالمي في قضايا المناخ، حيث تصبح الاستدامة هدفًا واقعيًا أكثر من كونها طموحًا مثاليًا.

بقلم:
شحاتة زكريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى