حواراتكلام رجالة

في يوم اللغة العربية.. أحمد ربيع غزالي يكشف أسرار إعجاز البيان في حروف القرآن

وفاء حسن

في كل زاوية من زوايا اللغة العربية يكمن عالم من الجمال والبلاغة التي يعجز كثيرون عن فك رموزها، اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي وعاء للأدب والفكر والحضارة، ومن بين الأبحاث التي تسلط الضوء على عمق هذه اللغة، يبرز كتاب “إعجاز البيان في حروف القرآن” كأحد الأعمال التي تُعنى بجماليات البيان القرآني وتفسير إعجاز الحروف.

في هذا اليوم المميز، الذي يُحتفل فيه بالعراقة والثراء اللغوي العربي بمناسبة يوم اللغة العربية العالمي، نلتقي مع الكاتب الباحث في علوم اللغة العربية والدراسات القرآنية، د.أحمد ربيع غزالي، الذي يعكس في مؤلفه نظرة جديدة لعالم الحروف والتراكيب القرآنية. سنتناول في هذا الحوار تفاصيل الكتاب، وكيف يرى الكاتب العلاقة بين اللغة العربية وإعجاز القرآن الكريم، إضافة إلى رأيه في دور اللغة العربية في العصر الحديث.

1. بدايةً، ما الذي دفعك للتركيز على موضوع “إعجاز البيان في حروف القرآن” في كتابك؟ وما الذي أردت تحقيقه من خلال هذا الكتاب؟

إعجاز البيان في حروف القرآن هو الإصدار الثاني من سلسلة بحثية بعنوان “علمه البيان”، والتي بدأها الكاتب في محاولة لاستكشاف أسرار اللغة والإعجاز اللغوي في القرآن الكريم. الإصدار الأول من السلسلة كان بعنوان “القرآن المبين بلسان العالمين”، بينما الكتاب الثالث تحت الطبع بعنوان “القصص الحق”.

تهدف هذه السلسلة إلى الإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسية:
1. لماذا تفرد الإنسان دون غيره من المخلوقات بالنطق والتواصل عن طريق الكلام، بينما تتواصل باقي الكائنات بالصراخ عند الخوف أو الجوع أو الفرح أو الرغبة أو التهديد، وما إلى ذلك من إشارات غير لغوية؟

2. لماذا تتنوع وتختلف اللغات؟ وما هو دور البيئة، والمهن السائدة عند الشعوب، وأحوال الطقس في اختلاف اللغات؟

3. ما هي ماهية “اللسان الأم” الذي انحدرت منه الألسن واللغات المختلفة؟

الإصدار الأول من السلسلة قدم إجابة على السؤال الأول، موضحاً أن تعلم الكلام والتواصل دون رؤية المتكلم يعود إلى أن الإنسان مخلوق مكلف، ويعتمد على الأدلة والبراهين في تواصله. أما الإصدار الثاني، الذي يحمل عنوان “إعجاز البيان في حروف القرآن”، فيقدم دراسة مقارنة بين دلالات الحروف القرآنية والمصطلحات الإنجليزية، بعد تقسيم اللغة الإنجليزية حسب مصادر الكلمات، سواء كانت وحياً على أنبياء بني إسرائيل في الحقبة الثالثة من البشرية، خلال بعثة إبراهيم وحتى نزول القرآن.

الإصدار الثاني يبرز كيف أن القرآن الكريم يتفرد ليس فقط في جوانب البلاغة، بل أيضاً في تطابق الحروف والكلمات القرآنية مع اللغة الإنجليزية في المعاني المشتركة. وهذا يكرس الهدف الرئيسي للنظرية، التي تدعو إلى أن مصدر تشكيل اللغات، بما في ذلك اللغة الإنجليزية، هو التعبيرات الموروثة من الكتب السماوية التي أُنزلت على أنبياء بني إسرائيل، في حين جاء القرآن مصدقاً لما جاءت به هذه الكتب من وحدة المصدر.

هذا الكتاب يقدم جانباً إعجازياً غير تقليدي، حيث لم يتطرق أحد قبله إلى دراسة معاني ودلالات الحروف القرآنية بشكل متعمق، مع مقارنتها ببقية لغات العالم، ما يجعل هذا الإصدار فريداً من نوعه في مجال الدراسات اللغوية والإعجاز القرآني.

2. ما هي أبرز الجوانب البلاغية والبيانية التي تبرزها حروف القرآن الكريم في كتابك؟

القرآن الكريم يتفرد في تركيب حروف الكلمات في مواضعها بطريقة بلاغية متميزة، حيث يستخدم ذات الكلمات وبذات التركيب لنقل المعاني بأعلى درجات الدقة والبلاغة. من أبرز جوانب البلاغة في القرآن هو كيفية اختيار الألفاظ وتركيبها، مما يجعل كل كلمة لها دلالاتها الخاصة التي تتناسب مع السياق،

أمثلة لما يسمح به المقام:
• (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) – مريم
earth اصطلح على تسمينها “الأرض”.
• (ألم يك نطفة من مني يمنى)
اسم الفاعل لــ(يمنى): “مان” بمعنى رجل، و women التي تتلقى المني
• (إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم)
well: معافًى وبصحة جيدة مسرور تمامًا.
• (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألف عليه آباؤنا)
ومن الألفة جاءت: life.
• (اتل ما أوحي إليك من الكتاب)
tell روى، قال، قص، أخبر، نقل حديثًا،
وبالكتاب مئات الأمثلة مع التصنيف.

3. ما هي العلاقة بين الإعجاز اللغوي في القرآن وبلاغته البيانية؟ هل يمكن للغة العربية أن تقدم مثل هذا المستوى من الإعجاز في أي سياق آخر؟

اللغة العربية تتفرد بقدرتها على تقديم معانٍ متجددة تتناسب مع كل جيل، مما يجعل القرآن الكريم يظل حيًا في تفسيره وتوجيهه للباحثين عن الحقيقة وفقًا لثقافاتهم. ومثال ذلك، عندما تحدث القرآن عن النعيم في الجنة، ذكر الطيران كوسيلة من وسائل الترف والرفاهية.

في سورة الرحمن، وردت الإشارة إلى هذا المعنى بشكل واضح، حيث قال الله تعالى: “متكئين على فرش بطائنها من استبرق”. إذا كان تفسير المفسرين قد استقر على المعنى التقليدي، فإننا يمكننا إضافة تفسير حديث يتماشى مع علوم اليوم. كلمة “استبرق” تتكون من مقطعين: “است” التي تدل على طلب الفعل، و”برق” التي تشير إلى السرعة العالية. فالمعنى المقصود هو أن أهل الجنة يركبون مركبات تسير بسرعة البرق، أي بسرعة فائقة، تمامًا كما نرى البرق ثم نسمع الرعد.

المستوى الآخر من النعيم الجني هو “متكئين على رفرف خضر وعبقرى حسان”، حيث تصف الآية مركباتهم التي ترفرف بأجنحتها، في إشارة إلى الطيران كما نراه في طائراتنا الحالية.
والله تعالى أعلم.

4. هل لديك رأي خاص حول تأثير القرآن الكريم في الأجيال الشابة التي تتعامل مع اللغة العربية في العصر الرقمي؟ كيف يمكن لهذه الأجيال فهم الإعجاز البياني للقرآن؟

الإعجاز القرآني اليوم يتواصل مع الأجيال الجديدة كما كان يحدث مع الأجيال السابقة، حيث يظل القرآن الكريم مصدرًا مستمرًا للإلهام الروحي، والطمأنينة، والسكينة. كل من يقبل عليه بصدق، باحثًا عن الحقيقة ومهتديًا بنوره، يجد نفسه في حضرة فيوضات القرآن التي تهدي قلبه وتملأه بالراحة والاطمئنان. وفي تلك اللحظة، يبدأ الباحث في فهم سر هذا الإحساس العميق، فتتجلى أمامه آيات القرآن الكريم بكل إعجازها، ويستطيع عقله أن يتدبر معانيها بشكل أعمق وأوضح.

5. في اليوم العالمي للغة العربية، ما الرسالة التي تحب أن توجهها للمجتمع العربي والعالمي حول قيمة وأهمية اللغة العربية؟

في اليوم العالمي للغة العربية، أقول: إن القرآن الكريم يمثل كنزًا علميًا وثقافيًا للهداية والمعرفة. تتجلى فيه كلمات وحروف تحمل عظمة الخالق، كما تتجلى هذه العظمة في الكون المنظور من خلال المشاهدات اليومية التي نعيشها.

6. هل لديك مشاريع أخرى مستقبلاً تسلط الضوء على جوانب أخرى من الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم؟

ترقبوا الإصدار الثالث من السلسلة بعنوان “القصص الحق”، والذي يقدم دراسة مقارنة بين قصص أصحاب السبت، قصة يوسف، وبقرة بني إسرائيل، كما وردت في القرآن الكريم والتوراة والكتب المقدسة الأخرى.

من خلال هذه المقارنة، يخلص القارئ إلى أن التعبيرات القرآنية في هذه القصص الثلاث هي التعبيرات الموروثة التي كانت موجودة في اللغات العالمية، بينما تختلف عن التراجم المختلفة للتوراة والمشنا، والترجمات الأخرى للإنجيل. وهذا يعزز مضمون النظرية التي يطرحها الكتاب.

في ختام حوارنا، يمكننا أن نؤكد أن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يعكس أهمية الحفاظ على هذه اللغة الغنية التي تحمل في طياتها أبعادًا بلاغية وعلمية لا تُعد ولا تُحصى. من خلال أعمال مثل “إعجاز البيان في حروف القرآن”يُظهر د. أحمد ربيع غزالي كيف أن القرآن الكريم ليس مجرد كتاب ديني، بل هو مرجع لغوي يعكس تفاعلًا بين اللغة والإعجاز. هذا البحث يعزز من مكانة اللغة العربية في العالم، ويُسهم في إعادة اكتشاف عمقها وتأثيرها عبر الأجيال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى