كلمتها

استاذ علم نفس يجيب لـ “كلمتنا” هل التحرش مشكلة اجتماعية أم نفسية؟

شهدت مصر على مدار سنوات طويلة عدد هائل من حوادث التحرش المفجعة، بعضها أودى بحياة أصحابها وأخرى أصابت الناجيات بأمراض نفسية مؤلمة لاحصر لها، الأمر الذي يجعلهن يهابن مواجهة المجتمع من جديد على الرغم من أن لا ذنب لهن في بشاعة سلوكيات الشباب وانعدام الوعي والثقافة اللذان يعانين منها.

السر وراء جريمة التحرش:

لا شك أن التحرش هو جريمة إنسانية تهين المرأة وكرامتها، تشعرها أنها فقدت جزءًا منها، جزءًا من روحها وثقتها بذاتها، الأمر الذي قد يجعلها تكره الرجال جميعهم بلا استثناء، لدرجة أنها قد تصرخ ذعرًا في منتصف الشارع إذا كان أحدهم يمر صدفة بجانبها دون أن يلمسها، لكن الأمر تحول إلى عقدة نفسية أصاب منتصف قلبها تمامًا، ولكن لماذا تدفع المرأة ثمن المشكلات الأزمات المجتمعية والنفسية التي يعاني منها الشباب، هل هي مستباحة إلى هذا الحد؟

ولكن من ناحية أخرى، إذا نظرنا إلى الدافع وراء جريمة التحرش التي تعاني منها أغلب النساء حول العالم، يجعلنا ذلك نطرح سؤالًا هامًا ربما يقربنا قليلًا من الحقيقة حتى نتمكن أو نأمل في طرح حلول للتصدي لجريمة التحرش.

وهو هل التحرش مشكلة اجتماعية أم نفسية؟

تجيب عن هذا السؤال د. سوسن فايد استاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قائلة: “في الواقع فإن التحرش هواشتباك بين الحالة النفسية والواقع الاجتماعي، لأن للأسف الشباب يعاني من فراغ فكري هائل، فهو في الغالب مهمش لا يطمح إلى أهداف قد يشغل ذاته في الوصول إليها، لكن السبب الأهم وراء جريمة التحرش يكمن في أزمة القيم التي يعاني منها المجتمع في العصر الحالي، والتي يجب على المؤسسات التربوية والدينية الاهتمام بها بشكل كبير، فنشأة الشباب هي الأصل وراء تلك الجرائم المجتمعية، فإذا تربى بين أسرة غيرمستقرة، فقد يعاني من اضطربات نفسية شديدة بالإضافة إلى انعدام القيم، وهو الأمر الذي يجعله إنسان غير سوي يلجأ إلى التحرش، كما أنه يعوض فقدان الاهتمام به، بالاتجاه نحو ذلك الفعل غير المشروع“.

التحرش

وأضافت: “الأمر الآخر الذي يعد من أهم أسباب التحرش أيضًا هو التكنولوجيا، فالمواقع الإباحية التي يلجأ إليها الشباب في حالة الفراغ بالإضافة إلى التخلف الثقافي، تشعر الشاب بتعظيم الرغبة الجنسية، وهو الأمر الذي يدفعه إلى القيام بذلك الفعل الدنيء، كما يساهم الإدمان بشكل كارثي في تلك الجريمة، فالغياب عن الوعي الذي يتعرض له عقب المخدرات يجعله في حالة لا يرثى لها تدفعه نحو التحرش“.

أما عن الجانب النفسي فقالت د.سوسن فايد: “قد يعاني أولئك الشباب من اضطراب عاطفي، يشعره أن لا قبول له عند الإناث مما يجعله يلجأ لذلك الفعل المهين، كما أن من الممكن أن يعاني أحيانًا من اضطراب أو مرض نفسي يجعله في حالة من الانفصام لأن ثمة أفكار تسيطر عليه تدفعه نحو التحرش بالمرأة، فعدم الاستقرار النفسي قد يدفع المرء إلى القيام بأمور كارثية لا حصر لها، ولكن ذلك يندرج تحت مظلة انعدام الثقافة والوعي في المجتمع بشكل كبير“.

أنهت د. سوسن فايد حديثها قائلة: “للتصدي لجريمة التحرش والمشكلات الاجتماعية الأخرى يجب اتخاذ الإجراءات والسياسات اللازمة من أجل زيادة الوعي والثقافة في المجتمع، فعندما تتكاتف المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية والدينية، لمواجهة تلك المشكلة ستحدث نهضة فكرية ترتقي بالدولة وبالإنسان قبل أي شيء“.

التحرش

اقرأ أيضًا: 10 أفلام ناصرت المرأة وألقت الضوء على قضاياها الشائكة

تأثير التحرش على المرأة:

حسب إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للمرأة فإن 35% من نساء العالم عانين من التحرش من قبل أقاربهن أو أشخاص مجهولين.

أما التحرش اللفظي فإن 40-60% من النساء بالأخص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتعرضن للتحرش اللفظي في الشوارع.

التحرش

‏‏ولأننا تناولنا مشكلة التحرش فلا يمكننا أن نغفل تأثير تلك الجريمة على المرأة، الأمر الذي قد يسبب لها مشاكل صحية ونفسية قد تصل أحيانًا إلى الانتحار، فالأمر لا يتوقف على لحظة تحرش عابرة مثلما يعتقد بعض الشباب، وإنما قد تهدد تلك الحادثة حياة المرأة وتقبلها رأسًا على عقب.

اقرأ أيضًا: روايات تناقش العنف ضد المرأة.. لماذا يدفعها للانتحار والاكتئاب؟

فبعد تلك الحادثة التي تخلد في ذهن المرأة مهما مرت السنوات، فإنها تتسبب في إصابتها باكتئاب شديد والشعور بكره النفس والآخرين وفقدان الثقة في الناس، وقد يصل الأمر إلى رغبة ملحة في الانتحار.

كما أنها قد تتحول إلى شخصية عدوانية يجتاح الغضب قلبها دائمًا، بسبب الأذى النفسي والعنف الذى تعرضت له في حادثة غير متوقعة على الإطلاق، ‏‏كما أن تلك الذكرى لا تفارق خيالها أبدًا، فكلما نزلت إلى الشارع تشعر وكأن ذلك الموقف سيحدث من جديد حتى وإن كان مجرد هاجس يحتل عقلها، لذا فالأمر مؤذي إلى حد لا يحتمل.

وقد يتطرق الأمر إلى آلام في الجسد وصداع مستمر، واضطراب في النوم والأكل بالإضافة إلى التوتر الدائم والقلق والإرهاق وعدم قدرتها على مواجهة الحياة من جديد.

فالتحرش الجسدي أو اللفظي هو فعل مؤذي نفسيًا وصحيًا لا محال، يترك ندبة في قلب المرأة لا تمحى أبدًا مهما طال الزمن، وهو الأمر الذي يغفل عنه المجتمع والشباب لعدم وجود الوعي والثقافة الكافية بخطورة هذه القضية، لذا فلا بد من التدخل العاجل للحد من تلك الجريمة التي تتعرض إليها النساء يوميًا وبشكل قاسٍ حول العالم.

التحرش

اقرأ أيضًا: كيف تحمي نفسك من التحرش؟.. إليكِ أبرز 8 طرق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى