أحمد سليمان
اعتاد زين صاحب الشاب المراهق أن يسمع قصصاً في المكان الذي يسكنه مع أسرته، قصص امتزج فيها الكثير من الخرافات مع أشباح من الحقيقة، ولم يكن ذلك غريباً فهو منطقي إذا كانت الأسرة تسكن أحد أحواش المقابر الخاصة بإحدى الأسر الراقية، حيث أن والده يعمل حارساً للمقابر.
لم تكن مقابر الأسر الراقية بها صخب المقابر التي تتعدد بها المدافن، فربما يمر عقد من الزمان ولا يأتي ضيف جديد، وربما يقتصر الزائرون على الأوفياء الذين يحرصون على إحياء الذكرى السنوية لذويهم.
ورغم غياب ذلك الصخب لم تخل حياة زين من القصص التي يسمعها بين الحين والآخر إلى جانب قواعد الحياة التي اعتاد عليها، فمن الممنوع أن يخرج من الحوش بعد المغرب لغير سبب معروف.
لم يكن زين يفهم السبب في ذلك ولكنه في طفولته سمع أن الأرواح تتلاقى بعد غروب الشمس ومن الممكن أن تؤذي من يزاحمها على مكانها في المقابر، لكنه حين صار مراهقاً لم يكن ليصدق فقد عرف من مدرس الدين في المدرسة أن الأرواح محلها ملكوت الله فلماذا إذاً اختارت أسرته السجن يومياً بداية من وقت غروب الشمس.
كثيراً ما كان أفراد الأسرة يسمعون أصواتاً لا يعرفون مصدرها، كانت تثير مخاوف زين طفلاً حيث ظن أنه صوت العصاة تعذبهم الملائكة في قبورهم لكنه عرف حين كبر أن الله يستر عباده وقد وضع الستر قانونه في الأرض فلا ينكشف عذاب ميت لحي في الحياة الدنيا.
فما هي تلك الأصوات إذاً؟؟… بالتأكيد هي مجرد إيحاءات بسبب هيبة المكان الذي يسكنه من لا صوت لهم ولا همس.
ورغم شعور زين أن كل القصص التي عرفها عن المكان الذي يسكنه ما هي إلا خرافات غير أنه لم يفكر مرة في اقتحام ذلك العالم الخفي واختراق قوانينه بالخروج والمشي بين المدافن عقب غروب الشمس خاصة وأن والده حارس الموتى لم يكن يفعل ذلك وكان أكره شيء له أن تأتي إليه جنازة بعد غروب الشمس فيضطر أن يأتي بالمصابيح لإتمام عملية الدفن ثم يعود مسرعاً إلى الحجرة بعد انقضاء الأمر.
وأخيراً تجرأ زين على اختراق قواعد المقابر والمشي بين الشواهد بعد غروب الشمس حيث أقنع والديه أنه سيبيت عند أحد أصدقائه من أجل المذاكرة ولن يرجع إلا بعد شروق الشمس، وافق الوالدان على الأمر خاصة وأنه سبق له فعل ذلك حيث أنه عندما يتأخر مع أصدقائه لأي سبب كان يضطر لانتظار الشمس أن تشرق كي يعود وكأنها الشياطين تسكن المكان بعد ذهاب ضوء الله عنه وكأن أرواح الصالحين ومن دونهم لا تترك أجسادهم البالية في ذلك المكان إلى ملكوت إلهي ليس له حدود، وكأنه ليس هناك برزخ بين الحياة والموت يمنع التقاء أهل تلك الجهة بالأخرى.
نفذ زين خطته وتسلق جدران الحوش بعد العشاء بساعة حيث ضمن أن أفراد أسرته في سبات عميق تتشابه أحوالهم مع من يجاورونهم من منتظري نفخة القيام، وأخذ زين يمشي بين المقابر مرتعد الفرائس دون سبب فهو الذي يقول أن كل القصص التي سمعها خرافات وكل الأصوات التي تسمع في المكان ليلاً ما هي إلا من وحي الإيحاء.
وأخذ زين يفسر أي صوت يسمعه فازداد رعباً عندما سمع صوت كلب يعوي كالذئب، فهو بالتأكيد رأى الأرواح وهي تلتقي كما سمع من قبل بعد غروب الشمس، وأخذ يفكر في طريقة للهرب من بطش الأرواح رغم اعترافه من قبل بأنها خرافات، ولكنه إذا رجع إلى الحجرة لن يستطيع الدخول وربما يظنه أهله “ملبوس” لأنه خرج بعد غروب الشمس.
وفي الصباح عثر حارس المقابر على جثة ولده زين وأشار التقرير الطبي إلى أن الوفاة نتيجة صدمة عصبية أدت إلى أزمة قلبية، ولكن قصة الشاب الراحل انتشرت بين أهل المقابر كالنار في الهشيم فهو الذي عاقبته الأرواح على اقتحام عالمها، وصار عبرة يحذر ساكني القبور أبناءهم من الوصول إلى مصيره إذا فكروا في اقتحام ذلك العالم.
نبذة عن الكاتب
أحمد سليمان
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة
صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”
للتواصل :